البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٨٥
دمدم عليه القبر : أطبقه. وقال مؤرج : الدمدمة : إهلاك باستئصال. وقال في الصحاح : دمدمت الشيء : ألزقته بالأرض وطحطحته.
وَالشَّمْسِ وَضُحاها، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها، وَالسَّماءِ وَما بَناها، وَالْأَرْضِ وَما طَحاها، وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها، كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها، إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها، فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها، فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها، وَلا يَخافُ عُقْباها.
هذه السورة مكية. ولما تقدّم القسم ببعض المواضع الشريفة وما بعدها، أقسم هنا بشيء من العالم العلوي والعالم والسفلي، وبما هو آلة التفكر في ذلك، وهو النفس. وكان آخر ما قبلها مختتما بشيء من أحوال الكفار في الآخرة، فاختتم هذه بشيء من أحوالهم في الدنيا، وفي ذلك بمآلهم في الآخرة إلى النار، وفي الدنيا إلى الهلاك المستأصل. وتقدم الكلام على ضحى في سورة طه عند قوله : وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى «١». وقال مجاهد :
هو ارتفاع الضوء وكماله. وقال مقاتل : حرها لقوله وَلا تَضْحى «٢». وقال قتادة : هو النهار كله، وهذا ليس بجيد، لأنه قد أقسم بالنهار. والمعروف في اللغة أن الضحى هو بعيد طلوع الشمس قليلا، فإذا زاد فهو الضحاء، بالمد وفتح الضاد إلى الزوال، وقول مقاتل تفسير باللازم. وما نقل عن المبرد من أن الضحى مشتق من الضح، وهو نور الشمس، والألف مقلوبة من الحاء الثانية وكذلك الواو في ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية لعله مختلق عليه، لأن المبرد أجل من أن يذهب إلى هذا، وهذان مادتان مختلفتان لا تشتق إحداهما من الأخرى.
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، قال الحسن والفراء : تلاها معناه تبعها دأبا في كل وقت، لأنه يستضيء منها، فهو يتلوها لذلك. وقال ابن زيد : يتلوها في الشهر كله، يتلوها في النصف الأول من الشهر بالطلوع، وفي الآخر بالغروب. وقال ابن سلام : في النصف الأول من الشهر، وذلك لأنه يأخذ موضعها ويسير خلفها، إذا غابت يتبعها القمر طالعا. وقال قتادة :
إنما ذلك البدر، تغيب هي فيطلع هو. وقال الزجاج وغيره : تلاها معناه : امتلأ واستدار، وكان لها تابعا للمنزل من الضياء والقدر، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا
(٢) سورة طه : ٢٠/ ١١٦.