البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٨٩
ألزمها. وقال ابن عباس : عرفها. وقال ابن زيد : بين لها. وقال الزجاج : وفقها للتقوى، وألهمها فجورها : أي خذلها، وقيل : عرفها وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور واكتساب التقوى. وقال الزمخشري : ومعنى إلهام الفجور والتقوى : إفهامها وإعقالها، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح، وتمكينه من اختيار ما شاء منهما بدليل قوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها، فجعله فاعل التزكية والتدسية ومتوليهما. والتزكية :
الإنماء، والتدسية : النقص والإخفاء بالفجور. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، قال الزجاج وغيره : هذا جواب القسم، وحذفت اللام لطول الكلام، والتقدير : لقد أفلح. وقيل : الجواب محذوف تقديره لتبعثن. وقال الزمخشري :
تقديره ليدمدمن اللّه عليهم، أي على أهل مكة، لتكذيبهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحا. وأما قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها فكلام تابع لقوله : فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء، انتهى. وزكاؤها :
ظهورها ونماؤها بالعمل الصالح، ودساها : أخفاها وحقرها بعمل المعاصي. والظاهر أن فاعل زكى ودسى ضمير يعود على من، وقاله الحسن وغيره. ويجوز أن يكون ضمير اللّه تعالى، وعاد الضمير مؤنثا باعتبار المعنى من مراعاة التأنيث. وفي الحديث ما يشهد لهذا التأويل،
كان عليه السلام إذا قرأ هذه الآية قال :«اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».
وقال الزمخشري : وأما قول من زعم أن الضمير في زكى ودسى للّه تعالى، وأن تأنيث الراجع إلى من لأنه في معنى النفس، فمن تعكيس القدرية الذين يوركون على اللّه قدرا هو بريء منه ومتعال عنه، ويحيون لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونها إليه تعالى، انتهى. فجرى على عادته في سب أهل السنة. هذا، وقائل ذلك هو بحر العلم عبد اللّه بن عباس، والرسول صلّى اللّه عليه وسلم يقول :«وزكها أنت خير من زكاها».
وقال تعالى : دَسَّاها في أهل الخير بالرياء وليس منهم وحين قال : وَتَقْواها أعقبه بقوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. ولما قال : وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها، أعقبه بأهل الجنة. ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه، ذكر فرقة فعلت ذلك ليعتبر بهم.
بِطَغْواها : الباء عند الجمهور سببية، أي كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها. وقال ابن عباس : الطغوى هنا العذاب، كذبوا به حتى نزل بهم لقوله : فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ «١». وقرأ الجمهور : بِطَغْواها بفتح الطاء، وهو مصدر من الطغيان، قلبت فيه