البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٩٢
به الفلاح وما تحصل به الخيبة، ثم حذر النار وذكر من يصلاها ومن يتجنبها، ومفعول يغشى محذوف، فاحتمل أن يكون النهار، كقوله : يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ «١»، وأن يكون الشمس، كقوله : وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها «٢». وقيل : الأرض وجميع ما فيها بظلامه.
وتجلى : انكشف وظهر، إما بزوال ظلمة الليل، وإما بنور الشمس. أقسم بالليل الذي فيه كل حيوان يأوي إلى مأواه، وبالنهار الذي تنتشر فيه. وقال الشاعر :
يجلي السرى من وجهه عن صفيحة على السير مشراق كثير شحومها
وقرأ الجمهور : تَجَلَّى فعلا ماضيا، فاعله ضمير النهار. وقرأ عبد اللّه بن عبيد بن عمير : تتجلى بتاءين، يعني الشمس. وقرىء : تجلى بضم التاء وسكون الجيم، أي الشمس.
وَما خَلَقَ : ما مصدرية أو بمعنى الذي، والظاهر عموم الذكر والأنثى. وقيل : من بني آدم فقط لاختصاصهم بولاية اللّه تعالى وطاعته. وقال ابن عباس والكلبي والحسن :
هما آدم وحواء. والثابت في مصاحف الأمصار والمتواتر وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، وما ثبت في الحديث من قراءة. والذكر والأنثى : نقل آحاد مخالف للسواد، فلا يعد قرآنا.
وذكر ثعلب أن من السلف من قرأ : وما خلق الذكر، بجر الذكر، وذكرها الزمخشري عن الكسائي، وقد خرجوه على البدل من على تقدير : والذي خلق اللّه، وقد يخرج على توهم المصدر، أي وخلق الذكر والأنثى، كما قال الشاعر :
تطوف العفاة بأبوابه كما طاف بالبيعة الراهب
بجر الراهب على توهم النطق بالمصدر، رأى كطواف الراهب بالبيعة.
إِنَّ سَعْيَكُمْ : أي مساعيكم، لَشَتَّى : لمتفرقة مختلفة، ثم فصل هذا السعي.
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى الآية : روي أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه، كان عتق ضعفة عبيده الذين أسلموا، وينفق في رضا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ماله، وكان الكفار بضدّه.
قال عبد اللّه بن أبي أوفى : نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه، وأبي سفيان بن حرب. وقال السدّي : نزلت في أبي الدحداح الأنصاري بسبب ما كان يعلق في المسجد صدقة، وبسبب النخلة التي اشتراها من المنافق بحائط له، وكان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ساوم المنافق في شرائها بنخلة في الجنة، وذلك بسبب الأيتام الذين كانت النخلة تشرف

(١) سورة الأعراف : ٧/ ٥٤، وسورة الرعد : ١٣/ ٣.
(٢) سورة الشمس : ٩١/ ٤.


الصفحة التالية
Icon