البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٠٦
ومستعجب مما يرى من أناتنا ولو زبنته الحرب لم يترمرم
وقال عتبة بن أبي سفيان : وقد زنبتنا الحرب وزبناها.
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ، كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى، إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى، عَبْداً إِذا صَلَّى، أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى، أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى، كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ، فَلْيَدْعُ نادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ، كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ.
هذه السورة مكية، وصدرها أول ما نزل من القرآن، وذلك في غار حراء على ما ثبت في صحيح البخاري وغيره. وقول جابر : أول ما نزل المدثر. وقول أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل : أول ما نزل الفاتحة لا يصح. وقال الزمخشري، عن ابن عباس ومجاهد : هي أول سورة نزلت، وأكثر المفسرين على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم، انتهى. ولما ذكر فيما قبلها خلق الإنسان في أحسن تقويم، ثم ذكر ما عرض له بعد ذلك، ذكره هنا منبها على شيء من أطواره، وذكر نعمته عليه، ثم ذكر طغيانه بعد ذلك وما يؤول إليه حاله في الآخرة.
وقرأ الجمهور : اقْرَأْ بهمزة ساكنة والأعشى، عن أبي بكر، عن عاصم :
بحذفها، كأنه على قول من يبدل الهمزة بمناسب حركتها فيقول : قرأ يقرا، كسعى يسعى.
فلما أمر منه قيل : أقر بحذف الألف، كما تقول : اسع، والظاهر تعلق الباء باقرأ وتكون للاستعانة، ومفعول اقرأ محذوف، أي اقرأ ما يوحى إليك. وقيل : بِاسْمِ رَبِّكَ هو المفعول وهو المأمور بقراءته، كما تقول : اقرأ الحمد للّه. وقيل : المعنى اقرأ في أول كل سورة، وقراءة بسم اللّه الرّحمن الرحيم. وقال الأخفش : الباء بمعنى على، أي اقرأ على اسم اللّه، كما قالوا في قوله : وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ «١»، أي على اسم اللّه. وقيل :
المعنى اقرأ القرآن مبتدئا باسم ربك. وقال الزمخشري : محل باسم ربك النصب على الحال، أي اقرأ مفتتحا باسم ربك، قل بسم اللّه ثم اقرأ، انتهى. وهذا قاله قتادة.
المعنى : اقرأ ما أنزل عليك من القرآن مفتتحا باسم ربك. وقال أبو عبيدة : الباء صلة، والمعنى اذكر ربك. وقال أيضا : الاسم صلة، والمعنى اقرأ بعون ربك وتوفيقه. وجاء باسم

(١) سورة هود : ١١/ ٤.


الصفحة التالية
Icon