البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥١٠
وقال الزمخشري : فإن قلت : ما متعلق أَرَأَيْتَ؟ قلت : الَّذِي يَنْهى مع الجملة الشرطية، وهما في موضع المفعولين. فإن قلت : فأين جواب الشرط؟ قلت : هو محذوف تقديره : إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى، أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني. فإن قلت : فكيف صح أن يكون أَلَمْ يَعْلَمْ جوابا للشرط؟ قلت : كما صح في قولك : إن أكرمتك أتكرمني؟ وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه؟ فإن قلت : فما أَرَأَيْتَ الثانية وتوسطها بين مفعولي أَرَأَيْتَ؟ قلت : هي زائدة مكررة للتوكيد، انتهى.
وقد تكلمنا على أحكام أَرَأَيْتَ بمعنى أخبرني في غير موضع منها التي في سورة الأنعام، وأشبعنا الكلام عليها في شرح التسهيل. وما قرره الزمخشري هنا ليس بجار على ما قررناه، فمن ذلك أنه ادعى أن جملة الشرط في موضع المفعول الواحد، والموصول هو الآخر، وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية، كقوله : أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى، وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى، أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ «١»، أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً، أَطَّلَعَ الْغَيْبَ «٢»، أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ «٣»، وهو كثير في القرآن، فتخرج هذه الآية على ذلك القانون، ويجعل مفعول أَرَأَيْتَ الأولى هو الموصول، وجاء بعده أَرَأَيْتَ، وهي تطلب مفعولين، وأ رأيت الثانية كذلك فمفعول أَرَأَيْتَ الثانية والثالثة محذوف يعود على الَّذِي يَنْهى فيهما، أو على عَبْداً في الثانية، وعلى الَّذِي يَنْهى في الثالثة على الاختلاف السابق في عود الضمير، والجملة الاستفهامية توالى عليها ثلاثة طوالب، فنقول : حذف المفعول الثاني لأرأيت، وهو جملة الاستفهام الدال عليه الاستفهام المتأخر لدلالته عليه. حذف مفعول أرأيت الأخير لدلالة مفعول أرأيت الأولى عليه. وحذفا معا لأرأيت الثانية لدلالة الأول على مفعولها الأول، ولدلالة الآخر لأرأيت الثالثة على مفعولها الآخر. وهؤلاء الطوالب ليس طلبها على طريق التنازع، لا، الجمل لا يصح إضمارها، وإنما ذلك من باب الحذف في غير التنازع. وأما تجويز الزمخشري وقوع جملة الاستفهام جوابا للشرط بغير فاء، فلا أعلم أحدا أجازه، بل نصوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلبا بوجه ما، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة شعر.

(١) سورة النجم : ٥٣/ ٣٣ - ٣٥.
(٢) سورة مريم : ١٩/ ٧٧ - ٧٨.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦/ ٥٨ - ٥٩.


الصفحة التالية
Icon