البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٦٦
قَدَّمَتْ يَداكَ
«١». وقيل : أخذ بيديه حجرا ليرمي به الرسول صلّى اللّه عليه وسلم، فأسند التب إليهما.
والظاهر أن التب دعاء، وتب : إخبار بحصول ذلك، كما قال الشاعر :
جزاني جزاه اللّه شرّ جزائه جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
ويدل عليه قراءة عبد اللّه : وقد تب.
روي أنه لما نزل : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «٢»، قال :«يا صفية بنت عبد المطلب، يا فاطمة بنت محمد، لا أغني لكما من اللّه شيئا، سلاني من مالي ما شئتما». ثم صعد الصفا، فنادى بطون قريش :«يا بني فلان يا بني فلان». وروي أنه صاح بأعلى صوته :«يا صباحاه». فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم :«أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلا بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟» قالوا : نعم، قال :«فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فافترقوا عنه، ونزلت هذه السورة.
وأبو لهب اسمه عبد العزى، ابن عم المطلب عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم. وقرأ ابن محيصن وابن كثير : أبي لهب بسكون الهاء، وفتحها باقي السبعة ولم يختلفوا في ذات لهب، لأنها فاصلة، والسكون يزيلها على حسن الفاصلة. قال الزمخشري : وهو من تغيير الأعلام، كقولهم : شمس مالك بالضم. انتهى، يعني : سكون الهاء في لهب وضم الشين في شمس، ويعني في قول الشاعر :
وإني لمهد من ثنائي فقاصد به لابن عمي الصدق شمس بن مالك
فأما في لهب، فالمشهور في كنيته فتح الهاء، وأما شمس بن مالك، فلا يتعين أن يكون من تغيير الأعلام، بل يمكن أن يكون مسمى بشمس المنقول من شمس الجمع، كما جاء أذناب خيل شمس. قيل : وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه، ولم يذكره تعالى باسمه لأن اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية، أو لأن الكنية كانت أغلب عليه من الاسم أو لأن ماله إلى النار، فوافقت حالته كنيته، كما يقال للشرير : أبو الشر، وللخير أبو الخير أو لأن الاسم أشرف من الكنية، فعدل إلى الأنقص ولذلك ذكر اللّه تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم ولم يكنّ أحدا منهم.
والظاهر أن ما في ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ نفي، أي لم يغن عنه ماله الموروث عن آبائه، وما كسب هو بنفسه أو ماشيته، وما كسب من نسلها ومنافعها، أو ما كسب من أرباح ماله الذي يتجر به. ويجوز أن تكون ما استفهاما في موضع نصب، أي : أيّ شيء يغني عنه

(١) سورة الحج : ٢٢/ ١٠.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦/ ٢١٤.


الصفحة التالية
Icon