البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٧
وَوَضَعَ الْمِيزانَ جملة ليس فيها معنى القول. والطغيان في الميزان هو أن يكون بالتعمد، وأما مالا يقدر عليه من التحرير بالميزان فمعفو عنه.
ولما كانت التسوية مطلوبة جدا، أمر اللّه تعالى فقال : وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ. وقرأ الجمهور : وَلا تُخْسِرُوا، من أخسر : أي أفسد ونقص، كقوله : وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ «١» أي ينقصون. وبلال بن أبي بردة وزيد بن علي : تخسر بفتح التاء، يقال : خسر يخسر، وأخسر يخسر بمعنى واحد، كجبر وأجبر. وحكى ابن جني وصاحب اللوامح، عن بلال : فتح التاء والسين مضارع خسر بكسر السين، وخرجها الزمخشري على أن يكون التقدير : في الميزان، فحذف الجار ونصب، ولا يحتاج إلى هذا التخريج. ألا ترى أن خسر جاء متعديا كقوله تعالى : خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ «٢»، وخَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ «٣»؟ وقرىء أيضا : تخسروا، بفتح التاء وضم السين. لما منع من الزيادة، وهي الطغيان، نهى عن الخسران الذي هو نقصان، وكرر لفظ الميزان، تشديدا للتوصية به وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه.
ولما ذكر السماء، ذكر مقابلتها فقال : وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ : أي خفضها مدحوة على الماء لينتفع بها. وقرأ الجمهور : والأرض بالنصب وأبو السمال : بالرفع.
والأنام، قال ابن عباس : بنو آدم فقط. وقال أيضا هو وقتادة وابن زيد والشعبي : الحيوان كله. وقال الحسن : الثقلان، الجن والإنس. فِيها فاكِهَةٌ : ضروب مما يتفكه به. وبدأ بقوله : فاكِهَةٌ، إذ هو من باب الابتداء بالأدنى والترقي إلى الأعلى، ونكر لفظها، لأن الانتفاع بها دون الانتفاع بما يذكر بعدها. ثم ثنى بالنخل، فذكر الأصل ولم يذكر ثمرتها، وهو الثمر لكثرة الانتفاع بها من ليف وسعف وجريد وجذوع وجمار وثمر. ثم أتى ثالثا بالحب الذي هو قوام عيش الإنسان في أكثر الأقاليم، وهو البر والشعير وكل ما له سنبل وأوراق متشعبة على ساقه، ووصفه بقوله : ذُو الْعَصْفِ تنبيها على إنعامه عليهم بما يقوتهم من الحب، ويقوت بهائمهم من ورقه الذي هو التبن. وبدأ بالفاكهة وختم بالمشموم، وبينهما النخل والحب، ليحصل ما به يتفكه، وما به يتقوت، وما به تقع اللذاذة من الرائحة الطيبة. وذكر النخل باسمها، والفاكهة دون شجرها، لعظم المنفعة بالنخل من
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٩ - ٥٣، وسورة هود : ١١/ ٢١، وسورة المؤمنون : ٢٣/ ١٠٣، وسورة الزمر :
٣٩/ ١٥.
(٣) سورة الحج : ٢٢/ ١١.