البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٨
جهات متعددة، وشجرة الفاكهة بالنسبة إلى ثمرتها حقيرة، فنص على ما يعظم به الانتفاع من شجرة النخل ومن الفاكهة دون شجرتها.
وقرأ الجمهور : وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ، برفع الثلاثة عطفا على المرفوع قبله وابن عامر وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بنصب الثلاثة، أي وخلق الحب. وجوزوا أن يكون وَالرَّيْحانُ حالة الرفع وحالة النصب على حذف مضاف، أي وذو الريحان حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وحمزة والكسائي والأصمعي، عن أبي عمرو :
والريحان بالجر، والمعنى : والحب ذو العصف الذي هو علف البهائم، والريحان الذي هو مطعم الناس، ويبعد دخول المشموم في قراءة الجر، وريحان من ذوات الواو. وأجاز أبو علي أن يكون اسما، ووضع موضع المصدر، وأن يكون مصدرا على وزن فعلان كاللبان.
وأبدلت الواو ياء، كما أبدلوا الياء واوا في أشاوى، أو مصدرا شاذا في المعتل، كما شذ كبنونة وبينونة، فأصله ريوحان، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار ريحان، ثم حذفت عين الكلمة، كما قالوا : ميت وهين.
ولما عدد تعالى نعمه، خاطب الثقلين بقوله : فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، أي أن نعمه كثيرة لا تحصى، فبأيها تكذبان؟ أي من هذه نعمه لا يمكن أن يكذب بها. وكان هذا الخطاب للثقلين، لأنهما داخلان في الأنام على أصح الأقوال. ولقوله : خَلَقَ الْإِنْسانَ، وخَلَقَ الْجَانَّ ولقوله : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ، وقد أبعد من جعله خطابا للذكر والأنثى من بني آدم. وأبعد من هذا قول من قال : إنه خطاب على حد قوله : أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ «١»، ويا حرسيّ اضربا عنقه، يعني أنه خطاب للواحد بصورة الاثنين، فبأي منونا في جميع السورة، كأنه حذف منه المضاف إليه وأبدل منه آلاءِ رَبِّكُما بدل معرفة من نكرة، وآلاء تقدم في الأعراف أنها النعم، واحدها إلى وألا وإلى وألى.
خَلَقَ الْإِنْسانَ : لما ذكر العالم الأكبر من السماء والأرض وما أوجد فيها من النعم، ذكر مبدأ من خلقت له هذه النعم، والإنسان هو آدم، وهو قول الجمهور. وقيل :
للجنس، وساغ ذلك لأن أباهم مخلوق من الصلصال. وإذا أريد بالإنسان آدم، فقد جاءت غايات له مختلفة، وذلك بتنقل أصله فكان أولا ترابا، ثم طينا، ثم حمأ مسنونا، ثم صلصالا، فناسب أن ينسب خلقه لكل واحد منها. والجان هو أبو الجن، وهو إبليس، قاله