البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٧٥
ووجد صلّى اللّه عليه وسلم في نفسه خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة، فقام فكأنما نشط من عقال.
ولما شرح أمر الإلهية في السورة قبلها، شرح ما يستعاذ منه باللّه من الشرّ الذي في العالم ومراتب مخلوقاته. والفلق : الصبح، قاله ابن عباس وجابر بن عبد اللّه ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبي وابن زيد، وفي المثل : هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح، وقال الشاعر :
يا ليلة لم أنمها بت مرتقبا أرعى النجوم إلى أن قدّر الفلق
وقال الشاعر يصف الثور الوحشي :
حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق هاديه في أخريات الليل منتصب
وقيل : الفلق : كلما يفلقه اللّه تعالى، كالأرض والنبات والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والحب والنوى وغير ذلك. وقال ابن عباس أيضا وجماعة من الصحابة والتابعين : الفلق : جب في جهنم، ورواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وقالوا : لما اطمأن من الأرض الفلق، وجمعه فلقان. وقيل : واد في جهنم.
وقال بعض الصحابة : بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حره.
وقرأ الجمهور : مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، بإضافة شر إلى ما، وما عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد، كالإحراق بالنار، والإغراق بالبحر، والقتل بالسم. وقرأ عمرو بن فايد : من شر بالتنوين. وقال ابن عطية : وقرأ عمرو بن عبيد، وبعض المعتزلة القائلين بأن اللّه تعالى لم يخلق الشر : من شر بالتنوين، ما خلق على النفي، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، اللّه خالق كل شيء، ولهذه القراءة وجه غير النفي، فلا ينبغي أن ترد، وهو أن يكون ما خَلَقَ بدلا من شَرِّ على تقدير محذوف، أي من شرّ شر ما خلق، فحذف لدلالة شر الأول عليه، أطلق أولا ثم عمّ ثانيا.
والغاسق : الليل، ووقب : أظلم ودخل على الناس، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد، وزمّكه الزمخشري على عادته فقال : والغاسق : الليل إذا اعتكر ظلامه. من قوله تعالى :
إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ «١»، ومنه : غسقت العين : امتلأت دمعا، وغسقت الجراحة : امتلأت دما، ووقوبه : دخول ظلامه في كل شيء، انتهى. وقال الزجاج : هو الليل لأنه أبرد من النهار، والغاسق : البارد، أستعيذ من شره لأنه فيه تنبث الشياطين والهوام والحشرات وأهل الفتك. قال الشاعر :