البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٦٧
وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل مضمنا معنى ما يعدى بالباء، أي فيسحب بالنواصي والأقدام، وأل فيهما على مذهب الكوفيين عوض من الضمير، أي بنواصيهم وأقدامهم، وعلى مذهب البصريين الضمير محذوف، أي بالنواصي والأقدام منهم.
هذِهِ جَهَنَّمُ : أي يقال لهم ذلك على طريق التوبيخ والتقريع. يَطُوفُونَ بَيْنَها :
أي يتردّدون بين نارها وبين ما غلى فيها من مائع عذابها. وقال قتادة : الحميم يغلي منذ خلق اللّه جهنم، وآن : أي منتهى الحر والنضج، فيعاقب بينهم وبين تصلية النار، وبين شرب الحميم. وقيل : إذا استغاثوا من النار، جعل غياثهم الحميم. وقيل : يغمسون في واد في جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فتنخلع أوصالهم، ثم يخرجون منه، وقد أحدث اللّه لهم خلقا جديدا. وقرأ علي والسلمي : يطافون
والأعمش وطلحة وابن مقسم :
يطوفون بضم الياء وفتح الطاء وكسر الواو مشددة. وقرىء : يطوفون، أي يتطوفون والجمهور : يطوفون مضارع طاف.
قوله تعالى : وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ، قال ابن الزبير : نزلت في أبي بكر.
مَقامَ رَبِّهِ مصدر، فاحتمل أن يكون مضافا إلى الفاعل، أي قيام ربه عليه، وهو مروي عن مجاهد، قال : من قوله : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ «١»، أي حافظ مهيمن، فالعبد يراقب ذلك، فلا يجسر على المعصية. وقيل : الإضافة تكون بأدنى ملابسة، فالمعنى أنه يخاف مقامه الذي يقف فيه العباد للحساب، من قوله : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «٢»، وفي هذه الإضافة تنبيه على صعوبة الموقف. وقيل : مقام مقحم، والمعنى : ولمن خاف ربه، كما تقول : أخاف جانب فلان يعني فلانا. والظاهر أن لكل فرد فرد من الخائفين جَنَّتانِ، قيل : إحداهما منزله، والأخرى لأزواجه وخدمه.
وقال مقاتل : جنة عدن، وجنة نعيم. وقيل : منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته. وقيل : هما للخائفين والخطاب للثقلين، فجنة للخائف الجني، وجنة للخائف الإنسي. وقال أبو موسى الأشعري : جنة من ذهب للسابقين، وجنة من فضة للتابعين. وقال الزمخشري : ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي، لأن التكليف دائر عليهما. وأن يقال : جنة يبات بها، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل لقوله وزيادة وخص الأفنان بالذكر جمع فنن، وهي الغصون التي تتشعب عن فروع الشجر، لأنها التي تورق وتثمر، ومنها تمتد الظلال، ومنها تجنى الثمار. وقيل :
(٢) سورة المطففين : ٨٣/ ٦.