البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٧٩
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ : جوزوا أن يكون مبتدأ وخبرا، نحو قولهم : أنت أنت، وقوله : أنا أبو النجم، وشعرى شعرى، أي الذين انتهوا في السبق، أي الطاعات، وبرعوا فيها وعرفت حالهم. وأن يكون السابقون تأكيدا لفظيا، والخبر فيما بعد ذلك وأن يكون السابقون مبتدأ والخبر فيما بعده، وتقف على قوله : وَالسَّابِقُونَ، وأن يكون متعلق السبق الأول مخالفا للسبق الثاني. والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة، فعلى هذا جوزوا أن يكون السابقون خبرا لقوله : وَالسَّابِقُونَ، وأن يكون صفة والخبر فيما بعده.
والوجه الأول، قال ابن عطية : ومذهب سيبويه أنه يعني السابقون خبر الابتداء، يعني خبر والسابقون، وهذا كما تقول : الناس الناس، وأنت أنت، وهذا على تفخيم الأمر وتعظيمه.
انتهى. ويرجح هذا القول أنه ذكر أصحاب الميمنة متعجبا منهم في سعادتهم، وأصحاب المشأمة متعجبا منهم في شقاوتهم، فناسب أن يذكر السابقون مثبتا حالهم معظما، وذلك بالإخبار أنهم نهاية في العظمة والسعادة، والسابقون عموم في السبق إلى أعمال الطاعات، وإلى ترك المعاصي. وقال عثمان بن أبي سودة : السابقون إلى المساجد. وقال ابن سيرين : هم الذين صلوا إلى القبلتين. وقال كعب : هم أهل القرآن. وفي الحديث :«سئل عن السابقين فقال هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وحكموا للناس بحكمهم لأنفسهم».
أُولئِكَ : إشارة إلى السابقين المقربين الذين علت منازلهم وقربت درجاتهم في الجنة من العرش. وقرأ الجمهور : فِي جَنَّاتِ، جمعا وطلحة : في جنات مفردا. وقسم السابقين المقربين إلى ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ. وقال الحسن : السابقون من الأمم، والسابقون من هذه الأمة. وقالت عائشة : الفرقتان في كل أمة نبي، في صدرها ثلة، وفي آخرها قليل. وقيل : هما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كانوا في صدر الدنيا، وفي آخرها أقل. وفي الحديث :«الفرقتان في أمتي، فسابق في أول الأمة ثلة، وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل»
، وارتفع ثلة على إضمارهم.
وقرأ الجمهور : عَلى سُرُرٍ بضم الراء وزيد بن علي وأبو السمال : بفتحها، وهي لغة لبعض بني تميم وكلب، يفتحون عين فعل جمع فعيل المضعف، نحو سرير، وتقدم ذلك في : والصافات. مضمونة، قال ابن عباس : مرمولة بالذهب. وقال عكرمة :
مشبكة بالدر والياقوت. مُتَّكِئِينَ عَلَيْها : أي على السرر، ومتكئين : حال من الضمير المستكن في عَلى سُرُرٍ، مُتَقابِلِينَ : ينظر بعضهم إلى بعض، وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق وصفاء بطائنهم من غل إخوانا. يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ :