البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٨٥
مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ، فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ، فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ، هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ، نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ، أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ، أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ، نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ، عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ، أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ، لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ، إِنَّا لَمُغْرَمُونَ، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ، أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ، أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ، نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ
لما ذكر حال السابقين، وأتبعهم بأصحاب الميمنة، ذكر حال أصحاب المشئمة فقال : وَأَصْحابُ الشِّمالِ، وتقدّم إعراب نظير هذه الجملة، وفي هذا الاستفهام تعظيم مصابهم. فِي سَمُومٍ : في أشدّ حر، وَحَمِيمٍ : ماء شديد السخونة. وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، قال ابن عباس ومجاهد وأبو مالك وابن زيد والجمهور : دخان. وقال ابن عباس أيضا : هو سرادق النار المحيط بأهلها، يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم. وقال ابن كيسان :
اليحموم من أسماء جهنم. وقال ابن زيد أيضا وابن بريدة : هو جبل في النار أسود، يفزع أهل النار إلى ذراه، فيجدونه أشد شيء وأمر. لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ : صفتان للظل نفيتا، سمي ظلا وإن كان ليس كالظلال، ونفي عنه برد الظل ونفعه لمن يأوي إليه. وَلا كَرِيمٍ : تتميم لنفي صفة المدح فيه، وتمحيق لما يتوهم في الظل من الاسترواح إليه عند شدّة الحر، أو نفي لكرامة من يستروح إليه. ونسب إليه مجازا، والمراد هم، أي يستظلون إليه وهم مهانون. وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة، وبدىء أولا بالوصف الأصلي الذي هو الظل، وهو كونه من يحموم، فهو بعض اليحموم. ثم نفى عنه الوصف الذي يبغي له الظل، وهو كونه لا باردا ولا كريما. وقد يجوز أن يكون لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ صفة ليحموم، ويلزم منه أن يكون الظل موصوفا بذلك. وقرأ الجمهور : لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ بجرهما وابن عبلة : برفعهما : أي لا هو بارد ولا كريم، على حد قوله :
فأبيت لا حرج ولا محروم أي لا أنا حرج. إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ : أي في الدنيا، مُتْرَفِينَ : فيه ذم الترف والتنعم في الدنيا، والترف طريق إلى البطالة وترك التفكر في العاقبة. وَكانُوا يُصِرُّونَ :