البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٨٦
أي يداومون ويواظبون، عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ، قال قتادة والضحاك وابن زيد : الشرك، وهو الظاهر. وقيل : ما تضمنه قوله : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ «١» الآية من التكذيب بالبعث. ويبعده : وَكانُوا يَقُولُونَ، فإنه معطوف على ما قبله، والعطف يقتضي التغاير، فالحنث العظيم : الشرك. فقولهم : أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ : تقدم الكلام عليه في : والصافات، وكرر الزمخشري هنا وهمه فقال : فإن قلت :
كيف حسن العطف على المضمر في لَمَبْعُوثُونَ من غير تأكيد بنحن؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة، كما حسن في قوله : ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا «٢»، لفصل لا المؤكدة للنفي. انتهى. ورددنا عليه هنا وهناك إلى مذهب الجماعة في أنهم لا يقدرون بين همزة الاستفهام وحرف العطف فعلا في نحو : أَفَلَمْ يَسِيرُوا «٣»، ولا اسما في نحو :
أَوَآباؤُنَا، بل الواو والفاء لعطف ما بعدهما على ما قبلهما، والهمزة في التقدير متأخرة عن حرف العطف. لكنه لما كان الاستفهام له صدر الكلام قدمت.
ولما ذكر تعالى استفهامهم عن البعث على طريق الاستبعاد والإنكار، أمر نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يخبرهم ببعث العالم، أولهم وآخرهم، للحساب، وبما يصل إليه المكذبون للبعث من العذاب. والميقات : ما وقت به الشيء، أي حد، أي إلى ما وقتت به الدنيا من يوم معلوم، والإضافة بمعنى من، كخاتم حديد. ثُمَّ إِنَّكُمْ : خطاب لكفار قريش، أَيُّهَا الضَّالُّونَ عن الهدى، الْمُكَذِّبُونَ للبعث. وخطاب أيضا لمن جرى مجراهم في ذلك. لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ : من الأولى لابتداء الغاية أو للتبعيض والثانية، إن كان من زقوم بدلا، فمن تحتمل الوجهين، وإن لم تكن بدلا، فهي لبيان الجنس، أي من شجر الذي هو زقوم. وقرأ الجمهور : من شجر وعبد اللّه : من شجرة. فَمالِؤُنَ مِنْهَا : الضمير في منها عائد على شجر، إذ هو اسم جنس يؤنث ويذكر، وعلى قراءة عبد اللّه، فهو واضح.
فَشارِبُونَ عَلَيْهِ، قال الزمخشري : ذكر على لفظ الشجر، كما أنث على المعنى في منها. قال : ومن قرأ : من شجرة من زقوم، فقد جعل الضميرين للشجرة، وإنما ذكر الثاني على تأويل الزقوم لأنه يفسرها، وهي في معناه. وقال ابن عطية : والضمير في عليه عائد على المأكول، أو على الأكل. انتهى. فلم يجعله عائدا على شجر. وقرأ نافع
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ١٤٨.
(٣) سورة يوسف : ١٢/ ١٠٩، وسورة الحج : ٢٢/ ٤٦، وسورة غافر : ٤٠/ ٤٢، وسورة محمد : ٤٧/ ١٠.