البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٨٨
بها كما أقررتم، فهو حض على التصديق. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «١»، أو :
فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ به، ثم حض على التصديق على وجه تقريعهم بسياق الحجج الموجبة للتصديق، وكان كافرا، قال : ولم أصدق؟ فقيل له : أفرأيت كذا مما الإنسان مفطور على الإقرار به؟ فقال : أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ، وهو المني الذي يخرج من الإنسان، إذ ليس له في خلقه عمل ولا إرادة ولا قدرة. وقال الزمخشري : يخلقونه : تقدرونه وتصورونه.
انتهى، فحمل الخلق على التقدير والتصوير، لا على الإنشاء. ويجوز في أَأَنْتُمْ أن يكون مبتدأ، وخبره تَخْلُقُونَهُ، والأولى أن يكون فاعلا بفعل محذوف، كأنه قال :
أتخلقونه؟ فلما حذف الفعل، انفصل الضمير وجاء أَفَرَأَيْتُمْ هنا مصرحا بمفعولها الأول. ومجيء جملة الاستفهام في موضع المفعول الثاني على ما هو المقرر فيها، إذا كانت بمعنى أخبرني. وجاء بعد أم جملة فقيل : أم منقطعة، وليست المعادلة للهمزة، وذلك في أربعة مواضع هنا، ليكون ذلك على استفهامين، فجواب الأول لا، وجواب الثاني نعم، فتقدر أم على هذا، بل أنحن الخالقون فجوابه نعم. وقال قوم من النحاة : أم هنا معادلة للهمزة، وكان ما جاء من الخبر بعد نحن جيء به على سبيل التوكيد، إذ لو قال :
أم نحن، لوقع الاكتفاء به دون ذكر الخبر. ونظير ذلك جواب من قال : من في الدار؟ زيد في الدار، أو زيد فيها، ولو اقتصر في الجواب على زيد لاكتفى به. وقرأ الجمهور :
ما تُمْنُونَ بضم التاء وابن عباس وأبو السمال : بفتحها. والجمهور : قَدَّرْنا، بشد الدال وابن كثير : يخفها، أي قضينا وأثبتنا، أو رتبنا في التقدم والتأخر، فليس موت العالم دفعة واحدة، بل بترتيب لا يتعدى.
ويقال : سبقته على الشيء : أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكنه منه، والمعنى : وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ : أي نحن قادرون على ذلك، لا تغلبوننا عليه، إن أردنا ذلك. وقال الطبري : المعنى نحن قادرون، قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ، عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
: أي بموت طائفة ونبدلها بطائفة، هكذا قرنا بعد قرن. انتهى. فعلى أن نبدل متعلق بقوله : نَحْنُ قَدَّرْنا، وعلى القول الأول متعلق بِمَسْبُوقِينَ، أي لا نسبق.
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
، وأمثالكم جمع مثل، وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ
من الصفات : أي نحن قادرون على أن نعدمكم وننشىء أمثالكم، وعلى تغيير أوصافكم مما لا يحيط به فكركم. وقال الحسن : من كونكم قردة وخنازير، قال ذلك لأن الآية تنحو إلى

(١) سورة الزخرف : ٤٣/ ٨٧.


الصفحة التالية
Icon