البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٩١
الْكِتابِ
«١»، والمعنى : فاقسم. وقيل : المنفي المحذوف، أي فلا صحة لما يقول الكفار. ثم ابتدأ أقسم، قاله سعيد بن جبير وبعض النحاة ولا يجوز، لأن في ذلك حذف اسم لا وخبرها، وليس جوابا لسائل سأل، فيحتمل ذلك، نحو قوله لا لمن قال : هل من رجل في الدار؟ وقيل : توكيد مبالغة ما، وهي كاستفتاح كلام شبهه في القسم، إلا في شائع الكلام القسم وغيره، ومنه.
فلا وأبي أعدائها لا أخونها والأولى عندي أنها لام أشبعت فتحتها، فتولدت منها ألف، كقوله :
أعوذ باللّه من العقراب وهذا وإن كان قليلا، فقد جاء نظيره في قوله : فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ «٢» بياء بعد الهمزة، وذلك في قراءة هشام، فالمعنى : فلأقسم، كقراءة الحسن وعيسى، وخرج قراءة الحسن أبو الفتح على تقدير مبتدأ محذوف، أي فلأنا أقسم، وتبعه على ذلك الزمخشري. وإنما ذهبا إلى ذلك لأنه فعل حال، وفي القسم عليه خلاف. فالذي اختاره ابن عصفور وغيره أن فعل الحال لا يجوز أن يقسم عليه، فاحتاجوا إلى أن يصوروا المضارع خبرا لمبتدأ محذوف، فتصير الجملة اسمية، فيقسم عليها. وذهب بعض النحويين إلى أن جواز القسم على فعل الحال، وهذا الذي اختاره فتقول : واللّه ليخرج زيد، وعليه قول الشاعر :
ليعلم ربي أن بيتي واسع وقال الزمخشري : في قراءة الحسن، ولا يصح أن تكون اللام لام قسم لأمرين، أحدهما : أن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة، والإخلال بها ضعيف قبيح والثاني : أن لأفعلنّ في جواب القسم للاستقبال، وفعل القسم يجب أن يكون للحال. انتهى. أما الأمر الأول ففيه خلاف، فالذي قاله قول البصريين، وأما الكوفيون فيختارون ذلك، ولكن يجيزون تعاقبهما، فيجيزون لأضربن زيدا، واضربن عمرا. وأما الثاني فصحيح، لكنه هو الذي رجح عندنا أن تكون اللام في لا أقسم لام القسم، وأقسم فعل حال، والقسم قد يكون جوابا للقسم كما قال تعالى : وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى «٣». فاللام في
(٢) سورة إبراهيم : ١٤/ ٣٧.
(٣) سورة التوبة : ٩/ ١٠٧.