البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٩٤
الغيب. وقال ابن عطية : أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر، هذا بنوء كذا وكذا، وهذا بنوء الأسد، وهذا بنوء الجوزاء، وغير ذلك. وقرأ الجمهور : تُكَذِّبُونَ من التكذيب وعليّ والمفضل عن عاصم : من الكذب، فالمعنى من التكذيب أنه ليس من عند اللّه، أي القرآن أو المطر، حيث ينسبون ذلك إلى النجوم. ومن الكذب قولهم : في القرآن سحر وافتراء، وفي المطر من الأنواء.
فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ، قال الزمخشري : ترتيب الآية :
فلو لا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين، فلو لا الثانية مكررة للتوكيد، والضمير في ترجعونها للنفس. وقال ابن عطية : توقيف على موضع عجز يقتضي النظر فيه أن اللّه مالك كل شيء. وَأَنْتُمْ : إشارة إلى جميع البشر، حِينَئِذٍ : حين إذ بلغت الحلقوم، تَنْظُرُونَ : أي إلى النازع في الموت. وقرأ عيسى : حينئذ بكسر النون اتباعا لحركة الهمزة في إذ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ بالعلم والقدرة، وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ :
من البصيرة بالقلب، أو أَقْرَبُ : أي ملائكتنا ورسلنا، وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ : من البصر بالعين. ثم عاد التوقيف والتقدير ثانية بلفظ التخصيص. والمدين : المملوك. قال الأخطل :
ربت ورباني في حجرها ابن مدينة قيل : ابن مملوكة يصف عبدا ابن أمة، وآخر البيت :
تراه على مسحانة يتوكل والمعنى : فلو لا ترجعون النفس البالغة إلى الحلقوم إن كنتم غير مملوكين وغير مقهورين. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدئ المعيد، إذ كانوا فيما ذهبوا إليه من أن القرآن سحر وافتراء، وأن ما نزل من المطر هو بنوء، كذا تعطيل للصانع وتعجيز له. وقال ابن عطية : وقوله تَرْجِعُونَها سد مسد جوابها، والبيانات التي تقتضيها التخصيصات، وإذا من قوله : فَلَوْ لا إِذا، وإن المتكررة، وحمل بعض القول بعضا إيجازا واقتصارا. انتهى. وتقول : إِذا ليست شرطية، فتسد تَرْجِعُونَها مسد جوابها، بل هي ظرف غير شرط معمول لترجعونها المحذوف بعد فلو لا، لدلالة ترجعونها في التخصيص الثاني عليه، فجاء التخصيص الأول مقيدا بوقت بلوغ الحلقوم، وجاء التخصيص الثاني معلقا على انتفاء مربوبيتهم، وهم لا يقدرون على رجوعها، إذ مربوبيتهم موجودة، فهم مقهورون لا قدرة لهم.