البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٣٥
وقيل : هي الزكاة، وبين بذلك مصارفها، وضعف بعطف الزكاة عليه، فدل على أنه غيرها.
قيل : هي نوافل الصدقات والمبار، وضعف بقوله آخر الآية أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ وقف التقوى عليه، ولو كان ندبا لما وقف التقوى، وهذا التضعيف ليس بشيء لأن المشار إليهم بالتقوى من اتصف بمجموع الأوصاف السابقة المشتملة على المفروض والمندوب، فلم يفرد التقوى، ثم اتصف بالمندوب فقط ولا وقفها عليه، بل لو جاء ذكر التقوى لمن فعل المندوب ساغ ذلك، لأنه إذا أطاع اللّه في المندوب فلأن يطيعه في المفروض أحرى وأولى.
وقيل : هو حق واجب غير الزكاة.
قال الشعبي : إن في المال حقا سوى الزكاة وتلا هذه الآية.
وقيل : رفع الحاجات الضرورية مثل إطعام للمضطر، فأمّا ما
روي على أن الزكاة تنحت كل حق، فيحمل على الحقوق المقدرة.
أما ما لا يكون مقدرا فغير منسوخ، بدليل وجوب التصدق عند الضرورة، ووجوب النفقة على الأقارب وعلى المملوك، وذلك كله غير مقدّر.
عَلى حُبِّهِ متعلق ب آتَى وهو حال، والمعنى : أنه يعطي المال محبا له، أي :
في حال محبته للمال واختياره وإيثاره، وهذا وصف عظيم، أن تكون نفس الإنسان متعلقة بشيء تعلق المحب بمحبوبه، ثم يؤثر به غيره ابتغاء وجه اللّه، كما جاء : أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، والظاهر أن الضمير في حُبِّهِ عائد على المال لأنه أقرب مذكور، ومن قواعد النحويين أن الضمير لا يعود على غير الأقرب إلّا بدليل، والظاهر أن المصدر فاعله المؤتي، كما فسرناه، وقيل : الفاعل المؤتون، أي حبهم له واحتياجهم إليه وفاقتهم، وإلى الأول ذهب ابن عباس، أي : أعطى المال في حال صحته ومحبته له فآثر به غيره، فقول ابن الفضل : إنه أعاده على المصدر المفهوم من آتى، أي :
على حب الإيتاء، بعيد من حيث اللفظ، ومن حيث المعنى، أما من حيث اللفظ فإنه يعود على غير مصرح به، وعلى أبعد من المال، وأما المعنى فلأن من فعل شيئا وهو يحب أن يفعله لا يكاد يمدح على ذلك، لأن في فعله ذلك هوى نفسه ومرادها، وقال زهير :
تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله