البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٤٤
عليكم تسليم النفس عند مطالبة الولي بالقصاص، وذلك أنه يجب على القاتل، إذا أراد الولي قتله، أن يستسلم لأمر اللّه وينقاد لقصاصه المشروع، وليس له أن يمتنع بخلاف الزاني والسارق، فإن لهما الهرب من الحدّ، ولهما أن يستترا بستر اللّه، ولهما أن لا يعترفا.
ويجب على الولي الوقوف عند قاتل وليه، وأن لا يتعدى على غيره، كما كانت العرب تفعل بأن تقتل غير قاتل قتيلها من قومه، وهذا الكتب في القصاص مخصوص بأن لا يرضى الولي بدية أو عفو، وإنما القصاص هو الغاية عند التشاحن، وأمّا إذا رضي بدون القصاص من دية أو عفو فلا قصاص.
قال الراغب : فان قيل : على من يتوجه هذا الوجوب؟ قيل على الناس كافة، فمنهم من يلزمه تسليم النفس، وهو القاتل، ومنهم من يلزمه استيفاؤه، وهو الإمام إذا طلبه الولي، ومنهم من يلزمه المعاونة والرضى، ومنهم من يلزمه أن لا يتعدّى، بل يقتص أو يأخذ الدية، والقصد بالآية منع التعدّي، فإن أهل الجاهلية كانوا يتعدّون في القتل، وربما لا يرضى أحدهم إذا قتل عبدهم إلّا بقتل حر. اه كلامه.
وتلخص في قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى ثلاثة أقوال.
أحدها : أنهم الأئمة ومن يقوم مقامهم. الثاني : أنهم القاتلون. الثالث : أنهم جميع المؤمنين على ما أوضحناه.
وقد اختلف في هذه الآية، أهي ناسخة أو منسوخة؟ فقال الحسن : نزلت في نسخ التراجع الذي كانوا يفعلونه، إذا قتل الرجل امرأة كان وليها بالخيار بين قتله مع تأدية نصف الدية، وبين أخذ نصف دية الرجل وتركه، . وإن كان قاتل الرجل امرأة، كان أولياء المقتول بالخيار بين قتل المرأة وأخذ نصف دية الرجل، وإن شاؤوا أخذوا الدية كاملة ولم يقتلوها.
قال : فنسخت هذه الآية ما كانوا يفعلونه. اه. ولا يكون هذا نسخا، لأن فعلهم ذلك ليس حكما من أحكام اللّه فينسخ بهذه الآية.
وقال ابن عباس : هي منسوخة بآية المائدة، وسيأتي الكلام في هذا.
ولما ذكر تعالى كتابة القصاص في القتل بين من يقع بينهم القصاص فقال : الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى، واختلفوا في دلالة هذه الجمل، فقيل : يدل على مراعاة المماثلة في الحرية والعبودية والأنوثة، فلا يكون مشروعا إلّا بين الحرين، وبين


الصفحة التالية
Icon