البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٤٥
العبدين، وبين الأنثيين، فالالف واللام تدل على الحصر، كأنه قيل : لا يؤخذ الحرّ إلّا بالحر، ولا يؤخذ العبد إلّا بالعبد، ولا تؤخذ الأنثى إلّا بالأنثى.
روي معنى هذا عن ابن عباس، وأن ذلك نسخ بآية المائدة، وروي عنه أيضا أن الآية محكمة وفيها إجمال فسرته آية المائدة.
وممن ذهب إلى أنها منسوخة. ابن المسيب، والنخعي، والشعبي، وقتادة، والثوري.
وقيل : لا تدل على الحصر، بل تدل على مشروعية القصاص بين المذكور، ألا ترى أن عموم : وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى تقتضي قصاص الحرة بالرقيقة؟ فلو كان قوله : الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ مانعا من ذلك لتصادم العمومان.
وقوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى جملة مستقلة بنفسها، وقوله : الْحُرُّ بِالْحُرِّ ذكر لبعض جزئياتها فلا يمنع ثبوت الحكم في سائر الجزئيات.
وقال مالك : أحسن ما سمعت في هذه الآية أنه يراد به الجنس الذكر والأنثى سواء فيه، وأعيد ذكر الأنثى توكيدا وتهمما بإذهاب أمر الجاهلية.
وروي عن علي والحسن بن أبي الحسن أن الآية نزلت مبينة حكم المذكورين ليدل ذلك على الفرق بينهم وبين أن يقتل حر عبدا أو عبد حرا، وذكر أنثى، أو أنثى ذكرا.
وقالا : إنه إذا قتل رجل امرأة فإن أراد أولياؤها قتلوا بها صاحبهم ووفوا أولياءه نصف الدية، وإن أرادوا استحيوه وأخذوا منه دية المرأة. وإذا قتلت المرأة رجلا فإن أراد أولياؤه قتلوها وأخذوا نصف الدية، وإلّا أخذوا دية صاحبهم واستحيوها، وإذا قتل الحر العبد فإن أراد سيد العبد قتل وأعطى دية الحر إلّا قيمة العبد، وإن شاء استحيى وأخذ قيمة العبد.
وقد أنكر هذا عن علي والحسن. والإجماع على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، والجمهور لا يرون الرجوع بشيء، وفرقة ترى الإتباع بفضل الديات، والإجماع على قتل المسلم الحر إذا قتل مسلم حرا بمحدد، وظاهر عموم الحر بالحر أن الوالد يقتل إذا قتل ابنه، وهو قول عثمان البتي، قال : إذا قتل ابنه عمدا قتل به.
وقال مالك : إذا قصد إلى قتله مثل أن يضجعه ويذبحه، وغير ذلك من أنواع القتل التي لا شبهة له فيها في ادعاء الخطأ قتل به، وإن قتله يرمى بشيء أو يضرب، ففي مذهب مالك قولان : أحدهما : يقتل، والآخر : لا يقتل.


الصفحة التالية
Icon