البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٦٠
أصحاب الشافعي. وظاهر قوله تعالى : كُتِبَ المنع. لأنه ليس من أهل التكليف، وأجمعوا على أنه للإنسان أن يغير وصيته وأن يرجع فيها.
واختلفوا في المدبر، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه ليس له أن يغير ما دبر، قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق : هو وصيته، وبه قال الشعبي، والنخعي، وابن شبرمة، والثوري، وقد ثبت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم باع مدبرا
، وأن عائشة باعت مدبرة، وإذا قال لعبده :
أنت حرّ بعد موتي، فله الرجوع عند مالك في ذلك. وإن قال : فلان مدبر بعد موتي لم يكن له الرجوع فيه، وإن أراد التدبير بقوله الأول لم يرجع أيضا عند أكثر أصحاب مالك.
وأما الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، فكل هذا عندهم وصية.
واختلفوا في الرجوع في التدبير بماذا يكون؟.
فقال أبو ثور : إذا قال : رجعت في مدبري بطل التدبير، وقال الشافعي : لا يكون إلّا ببيع أو هبة، وليس قوله رجعت رجوعا. ومن قال : عبدي حر بعد موتي، ولم يرد الوصية ولا التدبير، فقال ابن القاسم : هو وصية؟ وقال أشهب : هو مدبر.
وكيفية الوصية التي كان السلف الصالح يكتبونها : هذا ما أوصى فلان بن فلان، أنه يشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ «١» وأوصى من ترك، من أهله بتقوى اللّه تبارك وتعالى حق تقاته، وأن يصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا اللّه ورسوله إن كانوا مؤمنين، ويوصوهم بما أوصى به إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «٢» رواه الدار قطني، عن أنس بن مالك. وبني كتب للمفعول وحذف الفاعل للعلم به، وللاختصار، إذ معلوم أنه اللّه تعالى، ومرفوع : كتب الظاهر أنه الوصية، ولم يلحق علامة التأنيث للفعل للفصل، لا سيما هنا، إذ طال بالمجرور والشرطين، ولكونه مؤنثا غير حقيقي، وبمعنى الإيصاء. وجواب الشرطين محذوف لدلالة المعنى عليه، ولا يجوز أن يكون من معنى : كتب، لمضي كتب واستقبال الشرطين. ولكن يكون المعنى : كتب الوصية على أحدكم إذا حضر الموت إن ترك خيرا فليوص. ودل على هذا الجواب سياق الكلام. والمعنى : ويكون الجواب محذوفا جاء فعل الشرط بصيغة الماضي، والتحقيق أن كل شرط يقتضي جوابا فيكون ذلك المقدر جوابا للشرط الأول،
(١) سورة الحج : ٢٢/ ٧.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٣٢.