البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٧٨
المكتوب لتعلق الكتب لمن نودي، فتعلم نفسه أولا أن المنادى هو المكلف، فيرتقب بعد ذلك لما كلف به.
والألف واللام في : الصيام، للعهد إن كانت قد سبقت تعبداتهم به، أو للجنس إن كانت لم تسبق.
وجاء هذا المصدر على فعال، وهو أحد البنائين الكثيرين في مصدر هذا النوع من الفعل، وهو فعل الواوي العين، الصحيح الآخر، والبناءان هما فعول وفعال، وعدل عن الفعول وإن كان الأصل لاستثقال الواوين، وقد جاء منه شيء على الأصل : كالفؤور، ولثقل اجتماع الواوين همز بعضهم فقال : الفؤور.
كَما كُتِبَ الظاهر أن هذا المجرور في موضع الصفة لمصدر محذوف، أو في موضع الحال على مذهب سيبويه على ما سبق، أي : كتبا مثل ما كتب أو كتبه، أي : الكتب منها كتب، وتكون السببية قد وقع في مطلق الكتب وهو الإيجاب، وإن كان متعلقه مختلفا بالعدد أو بغيره، وروي هذا المعنى عن معاذ بن جبل، وعطاء، وتكون إذ ذاك ما مصدرية.
وقيل : الكاف في موضع نصب على الحال من الصيام، أي : مشبها ما كتب على الذين من قبلكم، وتكون ما موصولة أي : مشبها الذي كتب عليكم، وذو الحال هو :
الصيام، والعامل فيها العامل فيه، وهو : كتب عليكم.
وأجاز ابن عطية أن تكون الكاف في موضع صفة لصوم محذوف، التقدير : صوما كما، وهذا فيه بعد، لأن تشبيه الصوم بالكتابة لا يصح، هذا إن كانت ما مصدرية، وأما إن كانت موصولة ففيه أيضا بعد، لأن تشبيه الصوم بالمصوم لا يصح إلّا على تأويل بعيد.
وأجاز بعض النحاة أن تكون الكاف في موضع رفع على أنها نعت لقوله : الصيام، قال : إذ ليس تعريفه بمستحسن لمكان الإجمال الذي فيه مما فسرته الشريعة، فلذلك جاز نعته بكما، إذ لا ينعت بها إلّا النكرات، فهي بمنزلة : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ انتهى كلامه، وهو هدم للقاعدة النحوية من وجوب توافق النعت والمنعوت في التعريف والتنكير، وقد ذهب بعضهم إلى نحو من هذا، وإن الألف واللام إذا كانت جنسية جاز أن يوصف مصحوبها بالجملة، وجعل من ذلك قوله تعالى : وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ «١» ولا يقوم دليل على إثبات هدم ما ذهب إليه النحويون، وتلخص في : ما، من
(١) سورة يس : ٣٦/ ٣٧.