البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٤
كانت في نصف المسجد، فحسن أن يقال : فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ، يعني النصف من كل جهة، وكأنه عبارة عن بقعة الكعبة. ويدل على صحة ما ذكرناه. أن المصلي خارج المسجد متوجها إلى المسجد، لا إلى منتصف المسجد الذي هو الكعبة، لم تصح صلاته. وأنه لو فسرنا الشطر بالجانب، لم يكن لذكره فائدة، ويكون لا يدل على وجوب التوجه إلى منتصفه الذي هو الكعبة.
قال ابن عباس وغيره : وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى البيت كله.
وقال ابن عمر : إنما وجه هو وأمّته حيال ميزاب الكعبة، والميزاب هو قبلة المدينة والشام، وهناك قبلة أهل الأندلس بتقريب، ولا خلاف أن الكعبة قبلة من كل أفق، وفي حرف عبد اللّه، فول وجهك تلقاء المسجد الحرام. والقائلون بأن معنى الشطر : النحو، اختلفوا، فقال ابن عباس : البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل المشرق والمغرب، وهذا قول مالك. وقال آخرون : القبلة هي الكعبة، والظاهر أن المقصود بالشطر : النحو والجهة، لأن في استقبال عين الكعبة حرجا عظيما على من خرج لبعده عن مسامتتها. وفي ذكر المسجد الحرام، دون ذكر الكعبة، دلالة على أن الذي يجب هو مراعاة جهة الكعبة، لا مراعاة عينها. واستدل مالك من قوله : فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، على أن المصلي ينظر أمامه، لا إلى موضع سجوده، خلافا للثوري والشافعي والحسن بن حيّ، في أنه يستحب أن ينظر إلى موضع سجوده، وخلافا لشريك القاضي، في أنه ينظر القائم إلى موضع سجوده، وفي الركوع إلى موضع قدميه، وفي السجود إلى موضع أنفه، وفي القعود إلى موضع حجره. قال الحافظ أبو بكر بن العربي :
إنما قلنا ينظر أمامه، لأنه إن حنى رأسه ذهب ببعض القيام المعترض عليه في الرأس، وهو أشرف الأعضاء، وإن أقام رأسه وتكلف النظر ببصره إلى الأرض فتلك مشقة عظيمة وحرج، وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»
وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ : هذا عموم في الأماكن التي يحلها الإنسان، أي في أيّ موضع كنتم، وهو شرط وجزاء، والفاء جواب الشرط، وكنتم في موضع جزم. وحيث : هي ظرف مكان مضافة إلى الجملة، فهي مقتضية، الخفض بعدها، وما اقتضى الخفض لا يقتضي الجزم، لأن عوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال، والإضافة موضحة لما أضيف، كما أن الصلة موضحة فينا في اسم الشرط، لأن الشرط مبهم. فإذا وصلت بما زال منها معنى الإضافة،
(١) سورة الحج : ٢٢/ ٧٨.