البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٥
وضمنت معنى الشرط، وجوزي بها، وصارت إذ ذاك من عوامل الأفعال. وقد تقدم لنا ما شرط في المجازاة بها، وخلاف الفراء في ذلك. فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ : وهذا أمر لأمّة محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لما تقدّم أمره بذلك، أراد أن يبين أن حكمه وحكم أمته في ذلك واحد، مع مزيد عموم في الأماكن، لئلا يتوهم أن هذه القبلة مختصة بأهل المدينة، فبين أنهم في أيما حصلوا من بقاع الأرض، وجب أن يستقبلوا شطر المسجد. ولما كان صلى اللّه عليه وسلم هو المتشوف لأمر التحويل، بدأ بأمره أولا ثم أتبع أمر أمته ثانيا لأنهم تبع له في ذلك، ولئلا يتوهم أن ذلك مما اختص به صلى اللّه عليه وسلم. وفي حرف عبد اللّه : فولوا وجوهكم قبله. وقرأ ابن أبي عبلة : فولوا وجوهكم تلقاءه، وهذا كله يدل على أن المراد بالشطر : النحو..
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ : أي رؤساء اليهود والنصارى وأحبارهم. وقال السدّي :
هم اليهود. لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ : أي التوجه إلى المسجد الحرام، الْحَقُّ : الذي فرضه اللّه على إبراهيم وذريته. وقال قتادة والضحاك : إن القبلة هي الكعبة. وقال الكسائي : الضمير يعود على الشطر، وهو قريب من القول الثاني، لأن الشطر هو الجهة. وقيل : يعود على محمد صلى اللّه عليه وسلم، أي يعرفون صدقه ونبوّته، قاله قتادة أيضا ومجاهد. ومفسر هذه الضمائر متقدم. فمفسر ضمير التحويل والتوجه قوله : فَوَلِّ وَجْهَكَ، فيعود على المصدر المفهوم من قوله : فَوَلُّوا، ومفسر ضمير القبلة قوله : قِبْلَةً تَرْضاها، ومفسر ضمير الشطر قوله :
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، ومفسر ضمير الرسول ضمير خطابه صلى اللّه عليه وسلم. فعلى هذا الوجه يكون التفاتان. والعلم هنا يحتمل أن يكون مما يتعدى إلى اثنين، ويحتمل أن يكون مما يتعدى إلى واحد، لأن معموله هو أن وصلتها، فيحتمل الوجهين، وعلمهم بذلك، إما لأن في كتابهم التوجه إلى الكعبة، قاله أبو العالية، وإما لأن في كتابهم أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم نبي صادق، فلا يأمر إلا بالحق، وإما لجواز النسخ، وإما لأن في بشارة الأنبياء أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي إلى القبلتين. مِنْ رَبِّهِمْ : جار ومجرور في موضع الحال، أي ثابتا من ربهم. وفي ذلك دليل على أن التحول من بيت المقدس إلى الكعبة لم يكن باجتهاد، إنما هو بأمر من اللّه تعالى. وفي إضافة الرب إليهم تنبيه على أنه يجب اتباع الحق الذي هو مستقر ممن هو معتن بإصلاحك، كما قال تعالى : الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ.
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ : قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء على الخطاب.
فيحتمل أن يراد به المؤمنون لقوله : فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، ويحتمل أن يراد به أهل الكتاب، فتكون من باب الالتفات. ووجهه أن في خطابهم بأن اللّه لا يغفل عن أعمالهم،