البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٤٦
منسوخة، وعلى القولين قبله تكون محكمة، ومعنى : انتهى : كف، وهو افتعل من النهي، ومعناه فعل الفاعل بنفسه، وهو نحو قولهم : اضطرب، وهو أحد المعاني التي جاءت لها :
افتعل.
قالوا : وفي قوله : فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ دلالة على قبول توبة قاتل العمد، إذا كان الكفر أعظم مأثما من القتل، وقد أخبر تعالى أنه يقبل التوبة من الكفر.
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ضمير المفعول عائد على من قاتله وهم كفار مكة، والفتنة هنا الشرك وما تابعه من أذى المسلمين، أمروا بقتالهم حتى لا يعبد غير اللّه، ولا يسنّ بهم سنة أهل الكتاب في قبول الجزية، قاله ابن عباس، وقتادة، والربيع، والسدي. أعني :
أن الفتنة هنا والشرك وما تابعه من الأذى، وقيل : الضمير لجميع الكفار أمروا بقتالهم وقتلهم في كل مكان، فالآية عامة تتناول كل كافر من مشرك وغيره، ويخص منهم بالجزية من دل الدليل عليه، وقد تقدّم قول من قال : إنها ناسخة، لقوله : ولا تقاتلوهم.
قال في (المنتخب) : والصحيح أنه ليس كذلك، بل هذه الصيغة عامة وما قبله خاص، وهو : وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ومذهب الشافعي تخصيص العام سواء تقدّم على المخصص أم تأخر عنه.
وقال أو مسلم : الفتنة هنا : القتال في الحرم، قال : أمرهم اللّه بقتالهم حتى لا يكون منهم القتال الذي إذا بدؤا به كان فتنة على المؤمنين لما يخافون من أنواع المضار.
و : حتى، هنا للغاية، أو للتعليل، وإذا فسرت الفتنة بالكفر، والكفر لا يلزم زواله بالقتال، فكيف غي الأمر بالقتال بزواله؟.
والجواب : أن ذلك على حكم الغالب، والواقع، وذلك أن من قتل فقد انقطع كفره وزال، ومن عاش خاف من الثبات على كفره، فأسلم، أو يكون المعنى : وقاتلوهم قصدا منكم إلى زوال الكفر، لأن الواجب في قتال الكفار أن يكون القصد زوال الكفر، ولذلك إذا ظن أنه يقلع عن الكفر بغير القتال وجب عليه العدول عنه.
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ الدين هنا : الطاعة، أي : يكون الانقياد خالصا للّه، وقيل :
الدين هنا السجود والخضوع للّه وحده، فلا يسجد لغيره، وغي هنا الأمر بالقتال بشيئين :
أحدهما : انتفاء الفتنة، والثاني : ثبوت الدين للّه، وهو عطف مثبت على منفي، وهما في معنى واحد ومتلازمان، لأنه إذا انتفى الشرك باللّه كان تعالى هو المعبود المطاع، وعلى


الصفحة التالية
Icon