البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٧٧
ذلك تفصيل، وهو : أن الحدث إما أن يكون مستغرقا للزمان، فيرفع، ولا يجوز فيه النصب، أو غير مستغرق فمذهب هشام أنه يجب في الرفع، فيقول : ميعادك يوم، وثلاثة أيام، وذهب الفراء إلى جواز النصب والرفع كالبصريين، ونقل عن الفراء في هذا الموضع أنه لا يجوز نصب الأشهر، لأن : أشهرا، نكرة غير محصورة.
وهذا النقل مخالف لما نقلنا نحن عنه، فيمكن أن يكون له القولان، قول البصريين، وقول هشام، وجمع شهر على أفعل لأنه جمع قلة بخلاف قوله إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ «١» فإنه جاء على : فعول، وهو جمع الكثرة.
وظاهر لفظ أشهر الجمع، وهو : شوّال، وذو القعدة، وذو الحجة، كله، وبه قال ابن مسعود، وابن عمر، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، والزهري، والربيع، ومالك.
وقال ابن عباس، وابن الزبير، وابن سيرين، والحسن، وعطاء، والشعبي، وطاووس، والنخعي، وقتادة، ومكحول، والسدي، وأبو حنيفة، والشافعي، وابن حبيب، عن مالك، هي : شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
وروي هذا عن ابن مسعود، وابن عمر، وحكى الزمخشري، وصاحب (المنتخب) عن الشافعي : أن الثالث التسعة من ذي الحجة مع ليلة النحر، لأن الحج يفوت بطلوع الفجر.
وهذان القولان فيهما مجاز، إذ أطلق على بعض الشهر، شهر.
وقال الفراء : تقول العرب : له اليوم يومان لم أره، وإنما هو يوم وبعض يوم آخر، وإنما قالوا ذلك تغليبا لأكثر الزمان على أقله، وهو كما نقل
في الحديث : أيام منى ثلاثة أيام وإنما هي يومان وبعض الثالث
، وهو من باب إطلاق بعض على كل، وكما قال الشاعر :
ثلاثون شهرا في ثلاثة أحوال على أحد التأويلين، قيل : ولأن العرب توقع الجمع على التثنية إذا كانت التثنية أقل الجمع، وقال الزمخشري. فإن قلت : فكيف كان الشهران. وبعض الشهر أشهرا؟ قلت :
اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد، بدليل قوله تعالى فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما «٢» فلا سؤال فيه إذن، وإنما يكون موضعا للسؤال لو قيل : ثلاثة أشهر معلومات. انتهى كلامه.
(١) سورة التوبة : ٩/ ٣٦.
(٢) سورة التحريم : ٦٦/ ٤.