البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٧٨
وما ذكره الدعوى فيه عامة، وهو أن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد، وهذا فيه النزاع. والدليل الذي ذكره خاص، وهو : فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وهذا لا خلاف فيه، ولإطلاق الجمع في مثل هذا على التثنية شروط ذكرت في النحو. و : أشهر، ليس من باب فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فلا يمكن أن يستدل به عليه.
وقوله : فلا سؤال فيه، إذن ليس بجيد، لأنه فرض السؤال بقوله : فإن قلت؟ وقوله فإنما كان يكون موضعا للسؤال لو قيل : ثلاثة أشهر معلومات، ولا فرق عندنا بين شهر وبين قوله ثلاثة أشهر، لأنه كما يدخل المجاز في لفظ أشهر، كذلك قد يدخل المحاز في العدد، ألا ترى إلى ما حكاه الفراء : له اليوم يومان لم أره؟ قال : وإنما هو يوم وبعض يوم آخر، وإلى قول امرئ :
ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال على ما قدّمنا ذكره، وإلى ما حكي عن العرب، ما رأيته مذ خمسة أيام وإن كنت قد رأيته في اليوم الأول والخامس فلم يشمل الانتفاء خمسة أيام جميعها بل تجعل ما رأيته في بعضه، وانتفت الرؤية في بعضه، كان يوم كامل لم تره فيه، فإذا كان هذا موجودا في كلامهم فلا فرق بين أشهر، وبين ثلاثة أشهر، ولكن مجاز الجمع أقرب من مجاز العدد.
قالوا : وثمرة الخلاف بين قول من جعل الأشهر هي الثلاثة بكمالها، وبين من جعلها شهرين وبعض الثالث، يظهر في تعلق الذم فيما يقع من الأعمال يوم النحر، فعلى القول الأول لا يلزمه دم لأنها وقعت في أشهر الحج، وعلى الثاني يلزمه، لأنه قد انقضى الحج بيوم النحر، وأخّر عمل ذلك عن وقته.
وفائدة التوقيت بالأشهر أن شيئا من أفعال الحج لا يصح إلّا فيها، ويكره الإحرام بالحج في غيرها عند أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، وبه قال النخعي. قال : ولا يحل حتى يقضي حجه.
وقال عطاء، ومجاهد، والأوزاعي، والشافعي، وأبو الثور : لا يصح، وينقلب عمرة ويحل لها. وقال ابن عباس : من سنة الحج الإحرام به.
وسبب الخلاف اختلافهم في المحذوف في قوله : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ هل التقدير : الإحرام بالحج أو أفعال الحج؟ وذكر الحج في هذه الأشهر لا يدل على أن العمرة