البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٢٩
لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى
«١» وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ «٢» وقال الشاعر :
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني، ولم أطلب، قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
وقال الأعشى :
وسعى لكندة غير سعي مواكل قيس فصدّ عدوها ونبالها
وقال آخر :
أسعى على حيي بني مالك كل امرئ في شأنه ساع
والمعنى : سعى بحيلة وإدارة الدوائر على الإسلام، وإلى هذا القول نحا مجاهد، وابن جريج، وذكر أيضا عن ابن عباس : والقائلون بهذا القول : قال قوم منهم : معناه سعى فيها بالكفر، وقال قوم بالظلم. وقد يقع السعي بالقول، يقال : سعى بين فلان وفلان نقل إليهما قولا يوجب الفرقة، ومنه :
ما قلت ما قال وشاة سعوا سعي عدو بيننا يرجف
في الأرض، معلوم أن السعي لا يكون إلّا في الأرض، لكن أفاد العموم بمعنى في :
أي مكان حل منها سعى للفساد، ويدل لفظ : في الأرض، على كثرة سعيه ونقلته في نواحي الأرض، لأنه يلزم من عموم الأرض تكرار السعي وتقدّم ما يشبهه في قوله :
لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ «٣».
وإذا كان المراد الأخنس فالأرض أرض المدينة، فالألف واللام للعهد.
ليفسد فيها، هذا علة سعيه، والحامل له على السعي في الأرض، والفساد ضد الصلاح، وهو معاندة اللّه في قوله : وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها «٤».
والفساد يكون بأنواع من : الجور، والقتل، والنهب، والسبي، ويكون : بالكفر.
و : يهلك الحرث، والنسل، عطف هذه العلة على العلة قبلها، وهو : ليفسد فيها، وهو شبيه بقوله : وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «٥» وقوله :

_
(١) سورة النجم : ٥٣/ ٣٩.
(٢) سورة الإسراء : ١٧/ ١٩.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١١. [.....]
(٤) سورة هود : ١١/ ٦١.
(٥) سورة البقرة : ٢/ ٩٨.


الصفحة التالية
Icon