البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٣٣
بكلمة يرفع عنه اللبس، وتقربه للفهم، كقوله تعالى : وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ «١» وذلك أن العزة محمودة ومذمومة، فالمحمودة طاعة اللّه، كما قال : أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ «٢» وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ «٣» فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً «٤» فلما قال : بالإثم، اتضح المعنى وتم، وتبين أنها العزة المذمومة المؤثم صاحبها. قال ابن مسعود : لا ينبغي للرجل أن يغضب إذا قيل له اتق اللّه، أو تقول : أو لمثلي يقال هذا؟ وقيل لعمر : اتق اللّه، فوضع خدّه على الأرض تواضعا، وقيل : سجد، وقال : هذا مقدرتي. وتردّد يهودي إلى باب هارون الرشيد، سنة فلم يقض له حاجة، فتحيل حتى وقف بين يديه، فقال : اتق اللّه يا أمير المؤمنين : فنزل هارون عن دابته، وخرّ ساجدا، وقضى حاجته، فقيل له في ذلك، فقال :
تذكرت قوله تعالى : وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ.
فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ أي : كافيه جزاء وإذلالا جهنم، وهي جملة مركبة من مبتدأ وخبر، وذهب بعضهم إلى أن جهنم فاعل : بحسبه، لأنه جعله اسم فعل، إما بمعنى الفعل الماضي، أي : كفاه جهنم، أو : بمعنى فعل الأمر، ودخول حرف الجر عليه واستعماله صفة، وجريان حركات الإعراب عليه يبطل كونه اسم فعل، وقوبل على اعتزازه بعذاب جهنم، وهو الغاية في الذل، ولما كان قوله : اتق اللّه، حل به ما أمر أن يتقيه، وهو : عذاب اللّه، وفي قوله : فحسبه جهنم، استعظام لما حل به من العذاب، كما تقول للرجل : كفاك ما حل بك! إذا استعظمت وعظمت عليه ما حل به.
وَلَبِئْسَ الْمِهادُ تقدّم الكلام في : بئس، والخلاف في تركيب مثل هذه الجملة مذكور في علم النحو، لكن التفريع على مذهب البصريين في أن : بئس ونعم، فعلان جامدان، وأن المرفوع بعدهما فاعل بهما، وأن المخصوص بالذّم، إن تقدم، فهو مبتدأ، وإن تأخر فكذلك، هذا مذهب سيبويه. وحذف هنا المخصوص بالذم للعلم به إذ هو متقدّم، والتقدير : ولبئس المهاد جهنم. أو : هي، وبهذا الحذف يبطل مذهب من زعم أن المخصوص بالمدح أو بالذّم إذا تأخر كان خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ محذوف الخبر، لأنه يلزم من حذفه حذف الجملة بأسرها من غير أن ينوب عنها شيء، لأنها تبقى جملة مفلتة من الجملة السابقة قبلها، إذ ليس لها موضع من الإعراب، ولا هي اعتراضية
(١) سورة الأنعام : ٦/ ٣٨.
(٢) سورة المائدة : ٥/ ٥٤.
(٣) سورة المنافقون : ٦٣/ ٨.
(٤) سورة النساء : ٤/ ١٣٩.