البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٦٣
هو حب الدنيا، وأن ذلك ليس مختصا بهذا الزمان الذي بعثت فيه، بل هذا أمر كان في الأزمنة المتقادمة، إذ كانوا على حق ثم اختلفوا بغيا وحسدا وتنازعا في طلب الدنيا.
والناس : القرون بين آدم ونوح وهي عشرة، كانوا على الحق حتى اختلفوا، فبعث اللّه نوحا فمن بعده، قاله ابن عباس، وقتادة. أو : قوم نوح ومن في سفينته كانوا مسلمين، أو : آدم وحده، عن مجاهد، أو : هو وحواء، أو : بنو آدم حين أخرجهم من ظهره نسما كانوا على الفطرة، قاله أبي وابن زيد، أو : آدم وبنوه كانوا على دين حق فاختلفوا من حين قتل قابيل هابيل، أو : بنو آدم من وقت موته إلى مبعث نوح كانوا كفارا أمثال البهائم، قاله عكرمة، وقتادة. أو : قوم إبراهيم كانوا على دينه إلى أن غيره عمرو بن يحيى أو : أهل الكتاب ممن آمن بموسى على نبينا وعليه السلام، أو : قوم نوح حين بعث إليهم كانوا كفارا قاله ابن عباس، أو : الجنس كانوا أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع لا أمر عليهم ولا نهي. أو : صنفا واحدا، فكان المراد : أن الكل من جوهر واحد، وأب واحد، ثم خصّ صنفا من الناس ببعث الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم تكريما لهم، قاله الماتريدي فهذه إثنا عشر قولا في الناس.
وأما في التوحيد فخمسة أقوال : أما في الإيمان، وأما في الكفر، وأما في الخلقة على الفطرة، وأما في الخلو عن الشرائع، وأما في كونهم من جوهر واحد. وهو الأب.
وقد رجح كونهم أمة واحدة في الإيمان بقوله : فَبَعَثَ اللَّهُ وإنما بعثوا حين الاختلاف، ويؤكده قراءة عبد اللّه أُمَّةً واحِدَةً فاختلفوا، وبقوله : لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فهذا يدل على أن الاتفاق كان حصل قبل البعث والإنزال، وبدلالة العقول، إذ النظر المستقيم يؤدي إلى الحق، ويكون آدم بعث إلى أولاده، وكانوا مسلمين، وبالولادة على الفطرة، وبأن أهل السفينة كانوا على الحق، وبإقرارهم في يوم الذر.
ويظهر أن هذا القول هو الأرجح لقراءة عبد اللّه وللتصريح بهذا المحذوف في آية أخرى، وهو قوله تعالى : وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا «١» والقرآن يفسر بعضه بعضا، وتقدّم شرح : أمة في قوله : وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ «٢».
وفي قراءة أبي : كان البشر، إشارة إلى أنه لا يراد بالناس معهودون، ومن جعل
(١) سورة يونس : ١٠/ ١٩.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٢٨.