البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٦٤
الاتحاد في الإيمان قدر، فاختلفوا فبعث اللّه، ومن جعل ذلك في الكفر لا يحتاج إلى هذا التقدير، إذ كانت بعثة النبيين إليهم، وأول الرسل على ما
ورد في الصحيح في حديث الشفاعة : نوح على نبينا وعليه السلام، يقول الناس له : أنت أول الرسل
، المعنى : إلى قوم كفار، لأن آدم قبله، وهو مرسل إلى بنيه يعلمهم الدين والإيمان. فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ أي : أرسل النبيين مبشرين بثواب من أطاع، ومنذرين بعقاب من عصى، وقدّم البشارة لأنها أبهج للنفس، وأقبل لما يلقى النبي، وفيها اطمئنان المكلف، والوعد بثواب ما يفعله من الطاعة، ومنه. فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا «١» وانتصاب : مبشرين ومنذرين، على الحال المقارنة.
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ معهم حال من الكتاب : وليس تعمل فيه أنزل، إذ كان يلزم مشاركتهم له في الإنزال، وليسوا متصفين، وهي حال مقدرة أي : وأنزل الكتاب مصاحبا لهم وقت الإنزال لم يكن مصاحبا لهم، لكنه انتهى إليهم.
والكتاب : أما أن تكون أل فيه للجنس، وأما أن تكون للعهد على تأويل : معهم، بمعنى مع كل واحد منهم، أو على تأويل أن يراد به واحد معين من الكتب، وهو التوراة.
قاله الطبري، أنزلت على موسى وحكم بها النبيون بعده، واعتمدوا عليها كالأسباط وغيرهم، ويضعف أن يكون مفردا وضع موضع الجمع، وقد قيل به.
ويحتمل : بالحق، أن يكون متعلقا : بأنزل، أو بمعنى ما في الكتاب من معنى الفعل، لأنه يراد به المكتوب، أو بمحذوف، فيكون في موضع الحال من الكتاب، أي مصحوبا بالحق، وتكون حالا مؤكدة لأن كتب اللّه المنزلة يصحبها الحق ولا يفارقها، وهذه الجملة معطوفة على قوله : فَبَعَثَ اللَّهُ.
ولا يقال : إن البشارة والنذارة إنما يكونان بالأمر والنهي، وهما إنما يستفادان من إنزال الكتب فلم قدما على الإنزال مع أنهما ناشئان عنه؟ لأنه ذلك لا يلزم، لأن البشارة والنذارة قد يكونان ناشئين عن غير الكتب من وحي اللّه لنبيه دون أن يكون ذلك كتابا يتلى ويكتب، ولو سلم ذلك لكان تقديمهما هو الأولى لأنهما حالان من النبيين. فناسب اتصالهما بهم، وإن كانا ناشئين عن إنزال الكتب.
(١) سورة مريم : ١٩/ ٩٧.