البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٦٥
وقال القاضي : الوعد والوعيد من الأنبياء عليهم السلام قبل بيان الشرع ممكن فيما يتصل بالعقليات من معرفة اللّه تعالى، وترك الظلم وغيرهما، انتهى كلامه.
وما ذكر لا يظهر، لأن الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب ليسا مما يقضي بهما العقل وحده على جهة الوجوب، وإنما ذلك على سبيل الجواز، ثم أتى الشرع بهما، فصار ذلك الجائز في العقل واجبا بالشرع، وما كان بجهة الإمكان العقلي لا يتصف به النبي على سبيل الوجوب إلّا بعد الوحي قطعا، فإذن يتقدّم الوحي بالوعد والوعيد على ظهور البشارة والنذارة ممن أوحى إليه قطفا.
قال القاضي : وظاهر الآية يدل على أنه لا نبي إلّا ومعه كتاب منزل فيه بيان الحق، طال ذلك الكتاب أو قصر، دوّن أو لم يدوّن، كان معجزا أو لم يكن، لأن كون الكتاب منزلا معهم لا يقضي شيئا من ذلك. انتهى كلامه.
ويحتمل أن يكون التجوّز في : أنزل، فيكون بمعنى : جعل، كقوله : وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ «١». ولما كان الإنزال الكثير منهم نسب إلى الجميع، ويحتمل أن يكون التجوّز في الكتاب، فيكون بمعنى الموحى به، ولما كان كثيرا مما أوحي به بكتب، أطلق على الجميع الكتاب تسمية للمجموع باسم كثير من أجزائه.
لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ اللام لام العلة، ويتعلق بأنزل، والضمير في : ليحكم، عائد على اللّه في قوله : فبعث اللّه، وهو المضمر في : أنزل، وهذا هو الظاهر، والمعنى أنه تعالى أنزل الكتاب ليفصل به بين الناس، وقيل : عائد على الكتاب أي : ليحكم الكتاب بين الناس، ونسبة الحكم إليه مجاز، كما أسند النطق إليه في قوله :
هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ «٢» وكما قال :
ضربت عليك العنكبوت نسيجها وقضى عليك به الكتاب المنزل
ولأن الكتاب هو أصل الحكم، فأسند إليه ردا للأصل، وهذا قول الجمهور، وأجاز الزمخشري أن يكون الفاعل : النبي، قال : ليحكم اللّه أو الكتاب أو النبي المنزل عليه، وإفراد الضمير يضعف ذلك على أنه يحتمل ما قاله، فيعود على أفراد الجمع، أي : ليحكم كل نبي بكتابه، ولا حاجة إلى هذا التكلف مع ظهور عود الضمير على اللّه تعالى، ويبين

_
(١) سورة الحديد : ٥٧/ ٢٥.
(٢) سورة الجاثية : ٤٥/ ٢٩.


الصفحة التالية
Icon