البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٧٩
العقد. ولا يتعين ما قاله، إذ يجوز أن لا يدل على أن تتقدم الزوجية بجعل تسميته زوجا بما تؤول إليه حاله، فيكون التقدير : حتى يعقد على من يكون زوجا. وقال في (المنتخب) أيضا : أما قول من يقول : الآية لا تدل على الوطء، وإنما ثبت بالسنة فضعيف، لأن الآية تقتضي نفي الحل ممدودا إلى غاية، وما كان غاية للشيء يجب انتهاء الحكم عند ثبوته، فيلزم انتفاء الحرمة عند حصول النكاح، فلو كان النكاح عبارة عن العقد لكانت الآية دالة على وجوب انتهاء هذه الحرمة عند حصول العقد، فكان رفعها بالخبر نسخا للقرآن بخبر الواحد، وأنه غير جائز، أما إذا حملنا النكاح على الوطء، وحملنا قوله زوجا على العقد، لم يلزم هذا الإشكال. انتهى.
ولا يلزم ما ذكره من هذا الإشكال وهو أنه يلزم من ذلك نسخ القرآن بخبر الواحد، لأن القائل يقول : لم يجعل نفي الحل منتهيا، إلى هذه الغاية التي هي نكاحها زوجا غيره فقط. وإن كان الظاهر في الآية ذلك، بل ثم معطوفات، قبل الغاية المذكورة في الآية وما بعدها، يدل على إرادتها، وهي غايات أيضا، والتقدير : فلا تحل له من بعد، أي : من بعد الطلاق الثلاث حتى تنقضي عدّتها منه، وتعقد على زوج غيره، ويدخل بها، ويطلقها، وتنقضي عدتها منه، فحينئذ تحل للزوج المطلق ثلاثا أن يتراجعا، فقد صارت الآية من باب ما يحتاج بيان الحل فيه إلى تقدير هذه المحذوفات وتبيينها، ودل على إرادتها الكتاب والسنة الثابتة، وإذا كانت كذلك، وبين هذه المحذوفات الكتاب والسنة، فليس ذلك من باب نسخ القرآن بخبر الواحد، ألا ترى أنه يلزم أيضا من حمل النكاح هنا على الوطء أن يضمر قبله : حتى تعقد على زوج ويطأها؟ فلا فرق في الإضمار بين أن يكون مقدما على الغاية المذكورة المراد به الوطء، أو يكون مؤخرا عنها إذا أريد به العقد، فهذا إضمار يدل عليه الكتاب والسنة، فليس من باب النسخ في شيء.
فَإِنْ طَلَّقَها قيل : الضمير عائد على : زوج، النكرة، وهو الثاني، وأتى بلفظ :
إن، دون إذا تنبيها على أن طلاقه يجب أن يكون على ما يخطر له دون الشرط. انتهى.
ومعناه أن : إذا، إنما تأتي للمتحقق، وإن تأتي للمبهم والمجوز وقوعه وعدم وقوعه، أو للمحقق المبهم زمان وقوعه، كقوله تعالى : أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ «١» والمعنى : فإن طلقها وانقضت عدتها منه فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أي : على الزوج المطلق الثلاث وهذه
(١) سورة الأنبياء : ٢١/ ٣٤.