البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٨٢
وما ذكره من : أنك لا تقول علمت أن يقوم زيد، قد قاله غيره، قالوا : إن أن الناصبة للمضارع لا يعمل فيها فعلا تحقيق، نحو : العلم واليقين والتحقيق، وإنما يعمل في أن المشددة، قال أبو علي الفارسي في (الإيضاح) : ولو قلت علمت أن يقوم زيد، فنصبت الفعل : بأن، لم يجز، لأن هذا من مواضع : أن، لأنها مما قد ثبت واستقر، كما أنه لا يحسن : أرجو انك تقوم، وظاهر كلام أبي علي الفارسي مخالف لما ذكره سيبويه من أن يجوز أن تقول : ما علمت إلّا أن يقوم زيد، فأعمل : علمت، في : أن.
قال بعض أصحابنا : ووجه الجمع بينهما أن : علمت، قد تستعمل ويراد بها العلم القطعي، فلا يجوز وقوع : أن، بعدها كما ذكره الفارسي، وقد تستعمل ويراد بها الظن القوي، فيجوز أن يعمل في : أن، ويدل على استعمالها ولا يراد بها العلم القطعي قوله :
فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ «١» فالعلم هنا إنما يراد به الظن القوي، لأن القطع بإيمانهنّ غير متوصل إليه، وقول الشاعر :
وأعلم علم حق غير ظن وتقوى اللّه من خير المعاد
فقوله : علم حق، يدل على أن العلم قد يكون غير علم حق، وكذلك قوله : غير ظن، يدل عليه أنه يقال : علمت وهو ظان، ومما يدل على صحة ما ذكره سيبويه من أن : علمت، قد يعمل في : أن، إذا أريد بها غير العلم القطعي قول جرير :
نرضى عن اللّه أن الناس قد علموا أن لا يدانينا من خلقه بشر
فأتى بأن، الناصبة للفعل بعد علمت. انتهى كلامه.
وثبت بقول جرير وتجويز سيبويه أن : علم، تدخل على أن الناصبة، فليس بوهم، كما ذكر الزمخشري من طريق اللفظ.
وأما قوله : لأن الإنسان لا يعلم ما في غد، وإنما يظن ظنا، ليس كما ذكر، بل الإنسان يعلم أشياء كثيرة مما يكون في الغد، ويجزم بها ولا يظنها.
والفاء في : فلا تحل، جواب الشرط، وله، ومن بعد، وحتى، ثلاثتها تتعلق بتحل، واللام معناها التبليغ، ومن ابتداء الغاية، وحتى للتعليل. وبني لقطعه عن الإضافة، إذ تقديره من بعد الطلاق الثالث، وزوجا أتى به للتوطئة، أو للتقييد أظهرهما الثاني فإن كان

_
(١) سورة الممتحنة : ٦٠/ ١٠.


الصفحة التالية
Icon