البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٩٧
ويحتمل أن يكون معناه الأمر كقوله : وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ «١» لكنه أمر تدب لا إيجاب، إذ لو كان واجبا لما استحق الأجرة. وقال تعالى : وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى «٢» فوجوب الإرضاع إنما هو على الأب لا على الأم، وعليه أن يتخذ له ظئرا إلّا إذا تطوعت الأم بإرضاعه، وهي مندوبة إلى ذلك، ولا تجبر عليه، فإذا لم يقبل ثديها، أو لم يوجد له ظئرا، وعجز الأب عن الاستئجار وجب عليها إرضاعه، فعلى هذا يكون الأمر للوجوب في بعض الوالدات.
ومذهب الشافعي أن الإرضاع لا يلزم إلّا الوالد أو الجد، وإن علا. ومذهب مالك :
أنه حق على الزوجة لأنه كالشرط، إلّا أن تكون شريفة ذات نسب، فعرفها أن لا ترضع.
وعنه خلاف في بعض مسائل الإرضاع حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ وصف الحولين بالكمال دفعا للمجاز الذي يحتمله حولين، إذ يقال : أقمت عند فلان حولين، وإن لم يستكملهما، وهي صفة توكيد كقوله عَشَرَةٌ كامِلَةٌ «٣» وجعل تعالى هذه المدة حدا عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع، فمن دعا منهما إلى كمال الحولين فذلك له.
وظاهر قوله : أولادهن، العموم، فالحولان لكل ولد، وهو قول الجمهور.
وروي عن ابن عباس أنه قال : هي في الولد يمكث في البطن ستة أشهر، فإن مكث سبعة فرضاعه ثلاثة وعشرون، أو : ثمانية، فإثنان وعشرون، أو : تسعة، فأحد وعشرون، وكان هذا القول انبنى على قوله تعالى : وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً «٤» لأن ذلك حكم على الإنسان عموما.
وفي قوله : يرضعن، دلالة على أن الأم أحق برضاع الولد، وقد تكلم بعض المفسرين هنا في مسائل لا تعلق لها بلفظ القرآن، منها : مدة الرضاع المحرمة، وقدر الرضاع الذي يتعلق به التحريم، والحضانة ومن أحق بها بعد الأم؟ وما الحكم في الولد إذا تزوجت الأم؟ وهل للذمية حق في الرضاعة؟ وأطالوا بنقل الخلاف والدلائل، وموضوع هذا علم الفقه.
لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ هذا يدل على أن الإرضاع في الحولين ليس بحد

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٢٨.
(٢) سورة الطلاق : ٦٥/ ٦.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٩٦.
(٤) سورة الأحقان : ٤٦/ ١٥.


الصفحة التالية
Icon