البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٦٥
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ «١» وبقوله : فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً «٢» لأن في هذا إشعارا بلقاء العدو، ثم ما جاء بين هاتين الآيتين جاء كالاعتراض، فقوله : وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ «٣» تتميم أو توكيد لبعض أحكام المطلقات، وقوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ اعتبار بمن مضى ممن فرّ من الموت، فمات، أن لا ننكص ولا نحجم عن القتال، وبيان المقاتل فيه، وأنه سبيل اللّه فيه حث عظيم على القتال، إذ كان الإنسان يقاتل للحمية، ولنيل عرض من الدنيا، والقتال في سبيل اللّه مورث للعز الأبدي والفوز السرمدي.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يسمع ما يقوله المتخلفون عن القتال والمتبادرون إليه، ويعلم ما انطوت عليه النيات، فيجازي على ذلك.
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً هذا على سبيل التأسيس والتقريب للناس بما يفهمونه واللّه هو الغني الحميد، شبه تعالى عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض، كما شبه بذل النفوس والأموال في الجنة بالبيع والشراء.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما أمر بالقتال في سبيل اللّه، وكان ذلك مما يفضي إلى بذل النفوس والأموال في إعزاز دين اللّه، أثنى على من بذل شيئا من ماله في طاعة اللّه، وكان هذا أقل حرجا على المؤمنين، إذ ليس فيه إلّا بذل المال دون النفس، فأتى بهذه الجملة الاستفهامية المتضمنة معنى الطلب.
قال ابن المغربي : انقسم الخلق حين سمعوا هذه الآية إلى فرق ثلاث.
الأولى : اليهود، قالوا : إن رب محمد يحتاج إلينا ونحن أغنياء، وهذه جهالة عظيمة، ورد عليهم بقوله : لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ «٤».
والثانية : آثرت الشح والبخل، وقدّمت الرغبة في المال.
الثالثة : بادرت إلى الامتثال، كفعل أبي الدحداح وغيره. انتهى.
و : من، استفهامية في موضع رفع على الابتداء، وخبره : ذا، و : الذي، نعت : لذا، أو : بدل منه، ومنع أبو البقاء أن تكون : من، وذا، بمنزلة اسم واحد، كما كانت : ما، مع :
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٣٨.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٣٩.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٢٤١.
(٤) سورة آل عمران : ٣/ ١٨١.