البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٧٠
فزعا، وقال : يا أبت دعوتني، فكره أن يقول له : لا، فيفزع، فقال : يا بني نم، فجرى بذلك له مرتين، فقال له : إن دعوتك الثالثة فلا تجبني، فظهر له جبريل، فقال له اذهب فبلغ قومك رسالة ربك، قد بعثك نبيا. فأتاهم، فكذبوه، وقالوا : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه آية من نبوتك، وكان قوام بني إسرائيل بالإجماع على الملوك، وكان الملك يسير بالجموع، والنبي يسدّده ويرشده وقال وهب : بعث شمويل نبيا فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال، وكان اللّه أسقط عنهم الجهاد إلّا من قاتلهم، فلما كتب عليهم القتال تولوا، ثم كان من أمر جالوت والعمالقة ما كان.
ومعنى : ابعث لنا ملكا : انهض لنا من نصدّر عنه في تدبير بالحرب، وننتهي إلى أمره، وانجزم : نقاتل، على جواب الأمر.
وقرأ الجمهور بالنون والجزم، والضحاك، وابن أبي عبلة بالياء ورفع اللام على الصفة للملك وقرىء بالنون ورفع اللام على الحال من المجرور، وقرىء بالياء والجزم على جواب الأمر.
قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا لما طلبوا من نبيهم أن ينهض لهم ملكا، ورتبوا على بعثه أن يقاتلوا وكانوا قد ذلوا، وسبي ملوكهم، فأخذتهم الأنفة، ورغبوا في الجهاد، أراد أن يستتب ما طلبوه من الجهاد، وأن يتعرف ما انطوت عليه بواطنهم، فاستفهم عن مقاربتهم ترك القتال إن كتب عليهم، فأنكروا أن يكون لهم داع إلى ترك القتال، فقالوا : وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا أي هذه حال من يبادر إلى القتال، لأنه طالب ثار، ومترج أن يكون له الظفر من اللّه تعالى، لأنهم علموا أن ما أصابهم إنما كان بذنوبهم، فلما أقلعوا وتابوا، ورجعوا لطوع الأنبياء، قويت آمالهم بالنصر والظفر، قيل : وكان النبي قد ظنّ منهم الجبن والفشل في القتال، فلذلك استفهم، وليبين أن ما ظنه وتوقعه من ذلك يكون منهم، وكان كما توقع.
وقرأ نافع : عسيتم، بكسر السين هنا وفي سورة القتال، وقرأ الباقون بفتحها.
وقد تقدّم الكلام على : عسى، قال أبو علي : الأكثر فتح السين، وهو المشهور، ووجه الكسر قول العرب : هو عس بذلك، مثل : حروشج، فإن أسند الفعل إلى ظاهر فقياس عسيتم، أن يقال : عسي زيد، مثل : رضي، فإن قيل : فهو القياس وإن لم يقل فسائغ أن تأخذ باللغتين وتستعمل إحداهما في موضع الأخرى، كما فعل ذلك بغيره.
انتهى. والمحفوظ عن العرب أنه لا تكسر السين إلّا مع تاء المتكلم والمخاطب ونون