البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٩٥
والمصدر الذي هو : دفع، أو : دفاع، مضاف إلى الفاعل، وبعضهم بدل من الناس، وهو بدل بعض من كل، والباء في : ببعض، متعلق بالمصدر والباء فيه للتعدية فهو مفعول ثان للمصدر، لأن دفع يتعدى إلى واحد ثم عدى إلى ثان بالباء، وأصل التعدية بالباء، وأصل التعدية بالباء أن يكون ذلك في الفعل اللازم : نحو : لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ «١» فإذا كان متعديا فقياسه أن يعدى بالهمزة، تقول : طعم زيد اللحم، ثم تقول أطعمت زيدا اللحم، ولا يجوز أن تقول : طعمت زيدا باللحم، وإنما جاء ذلك قليلا بحيث لا ينقاس، من ذلك :
دفع، وصك، تقول : صك الحجر الحجر، وتقول : صككت الحجر بالحجر، أي جعلته يصكه. وكذلك قالوا : صككت الحجرين أحدهما بالآخر نظير : دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فالباء للتعدية كالهمزة.
قال سيبويه، وقد ذكر التعدية بالهمزة والتضعيف ما نصه : وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم ببعض، على حد قولك : ألزمت، كأنك قلت في التمثيل : أدفعت، كما أنك تقول : أذهبت به، وأذهبته من عندنا، وأخرجته، وخرجت به معك، ثم قال سيبويه :
صككت الحجرين أحدهما بالآخر على أنه مفعول من قولك : اصطك الحجران أحدهما بالأخر، ومثل ذلك : ولولا دفاع اللّه الناس بعضهم ببعض. انتهى كلام سيبويه.
ولا يبعد في قولك : دفعت بعض الناس ببعض، أن تكون الباء للآلة، فلا يكون المجرور بها مفعولا به في المعنى، بل الذي يكون مفعولا به هو المنصوب، وعلى قول سيبويه يكون المنصوب مفعولا به في اللفظ فاعلا من جهة المعنى وعلى أن تكون الباء للآلة يصح نسبة الفعل إليها على سبيل المجاز، كما أنك تقول في : كتبت بالقلم، كتبت القلم.
وأسند الفساد إلى الأرض حقيقة : بالخراب، وتعطيل المنافع، أو مجازا : والمراد أهلها.
وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ وجه الاستدراك هنا هو أنه لما قسم الناس إلى مدفوع به ومدفوع، وانه بدفعه بعضهم ببعض امتنع فساد ارض، فيهجس في نفس من غلب وقهر عن ما يريد من الفساد في الأرض أن اللّه تعالى، غير متفضل عليه، إذ لم يبلغه مقاصده ومآربه، فاستدرك أنه، وإن لم يبلغ مقاصده هذا الطالب للفساد أن اللّه لذو فضل عليه،
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٠.