البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٠٢
الفعل وحرف الجر، إما : على، أو : في، أو : إلى. ويحتمل أن يكون بدل اشتمال، أي :
ورفع درجات بعضهم، والمعنى على درجات بعض.
وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ تقدّم الكلام على تفسير هذه الجملة بعد قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ «١» فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وخص من كلمه اللّه وعيسى من بين الأنبياء لما أوتيا من الآيات العظيمة، والمعجزات الباهرة، ولأن آيتيهما موجودتان، فتخصيصهما بالذكر طعن على تابعيهما حيث لم ينقادوا لهذين الرسولين العظيمين، ووقع منهم المنازعة والخلاف.
ونص هنا لعيسى على الآيات البينات تقبيحا لأفعال اليهود حيث أنكروا نبوّته مع ما ظهر على يديه من الآيات الواضحة، ولما كان نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم هو الذي أوتي ما لم يؤته أحد من كثرة المعجزات وعظمها، وكان المشهود له بإحراز قصبات السبق، حف ذكره بذكر هذين الرسولين العظيمين، ليحصل لكل منهما بمجاورة ذكره الشرف، إذ هو بينهما واسطة عقد النبوّة، فينزل منهما منزلة واسطة العقد التي يزدان بها ما جاورها من اللآلئ، وتنوع هذا التقسيم ولم يرد على أسلوب واحد، فجاءت الجملة الأولى من مبتدأ وخبر مصدرة بمن الدالة على التقسيم، وجاءت الثانية فعلية مسندة لضمير اسم اللّه، لا لفظه، لقربه، إذ لو أسند إلى الظاهر لكان منهم من كلم اللّه، ورفع اللّه، فكان يقرب التكرار، فكان الإضمار أحسن.
وفي الجملتين : المفضل منهم لا معين بالأسم، لكن يعين الأول صلة الموصول، لأنها معلومة عند السامع، ويعين الثاني ما أخبر به عنه، وهو أنه مرفوع على غيره من الرسل بدرجات، وهذه الرتبة ليست إلّا لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وجاءت الثانية فعلية مسندة لضمير المتكلم على سبيل الالتفات، إذ قبله غائب، وكل هذا يدل على التوسع في أفانين البلاغة وأساليب الفصاحة.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ قيل : في الكلام حذف، التقدير : فاختلف أممهم واقتتلوا ولو شاء اللّه، ومفعول شاء محذوف تقديره : أن لا تقتتلوا، وقيل : أن لا يأمر بالقتال، قاله الزجاج. وقال مجاهد : أن لا تختلفوا الإختلاف الذي هو سبب القتال، وقيل : ولو شاء اللّه أن يضطرهم إلى الإيمان فلم يقتتلوا، وقال أبو

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٨٧.


الصفحة التالية
Icon