البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٠٩
أنه خبر مبتدأ محذوف، أي : هو، أو : على أنه مبتدأ والخبر : لا تأخذه، وأجودها الوصف، ويدل عليه قراءة من قرأ : الحيّ القيوم بالنصب، فقطع على إضمار : أمدح، فلو لم يكن وصفا ما جاز فيه القطع، ولا يقال : في هذا الوجه الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر، لأن ذلك جائز حسن، تقول : زيد قائم العاقل.
لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ يقال : وسن سنة ووسنا، والمعنى : أنه تعالى لا يغفل عن دقيق ولا جليل، عبر بذلك عن الغفلة لأنه سببها، فأطلق اسم السبب على المسبب قال ابن جرير : معناه لا تحله الآفات والعاهات المذهلة عن حفظ المخلوقات، وأقيم هذا المذكور من الآفات مقام الجميع، وهذا هو مفهوم الخطاب، كما قال تعالى : فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ «١» وقيل : نزه نفسه عن السنة والنوم لما فيها من الراحة، وهو تعالى لا يجوز عليه التعب والاستراحة. وقيل : المعنى لا يقهره شيء ولا يغلبه، وفي المثل : النوم سلطان. قال الزمخشري : وهو تأكيد للقيوم، لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوما. ومنه
حديث موسى أنه سأل الملائكة، وكان ذلك من قومه كطلب الرؤية : أينام ربّنا؟ فأوحى اللّه إليهم أن يوقظوه ثلاثا ولا تتركوه ينام. ثم قال : خذ بيدك قارورتين مملوؤتين، فأخذهما، وألقى اللّه عليه، النعاس، فضرب إحداهما على الأخرى فانكسرتا، ثم أوحى إليه : قل لهؤلاء إني أمسك السموات والأرض بقدرتي، فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا. انتهى
. هكذا أورد الزمخشري هذا الخبر، وفيه أنه سأل الملائكة، وكان ذلك يعني السؤال من قومه، كطلب الرؤية، يعني أن طلب الرؤية هو عنده من باب المستحيل، كما استحال النوم في حقه تعالى، وهذا من عادته في نصرة مذهبه، يذكره حيث لا تكون الآية تتعرض لتلك المسألة.
وأورد غيره هذا الخبر
عن أبي هريرة، قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر، قال وقع في نفس موسى : هل ينام اللّه
وساق الخبر قريبا من معنى ما ذكره الزمخشري.
قال بعض معاصرينا : هذا حديث وضعه الحشوية، ومستحيل أن سأل موسى ذلك عن نفسه أو عن قومه، لأن المؤمن لا يشك في أن اللّه ينام أو لا ينام، فكيف الرسل؟ انتهى كلامه.
(١) سورة الإسراء : ١٧/ ٢٣.