البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦١٤
وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما قرأ الجمهور : يؤوده بالهمز، وقرىء شاذا بالحذف، كما حذفت همزة أناس، وقرىء أيضا : يووده، بواو مضمومة على البدل من الهمزة أي :
لا يشقه، ولا يثقل عليه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة، وغيرهم. وقال ابان بن تغلب :
لا يتعاظمه حفظهما، وقيل : لا يشغله حفظ السموات عن حفظ الأرضين، ولا حفظ الأرضين عن حفظ السموات.
والهاء تعود على اللّه تعالى، وقيل : تعود على الكرسي، والظاهر الأول لتكون الضمائر متناسبة لواحد ولا تختلف، ولبعد نسبة الحفظ إلى الكرسي.
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ عليّ في جلاله، عظيم في سلطانه. وقال ابن عباس : الذي كمل في عظمته، وقيل : العظيم المعظّم، كما يقال : العتيق في المعتق، قال الأعشى :
وكأنّ الخمر العتيق من الاس فنط ممزوجة بماء زلال
وأنكر ذلك لانتفاء هذا الوصف قبل الخلق وبعد فنائهم، إذ لا معظم له حينئذ، فلا يجوز هذا القول. وقيل : والجواب أنها صفة فعل : كالخلق والرزق، فلا يلزم ما قالوه. وقيل :
العلي الرفيع فوق خلقه، المتعالي عن الأشباه والأنداد، وقيل : العالي من : علا يعلو :
ارتفع، أي : العالي على خلقه بقدرته، والعظيم ذو العظمة الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه. قال الماوردي : وفي الفرق بين العلي والعالي وجهان : أحدهما : ان العالي هو الموجود في محل العلو، والعلي هو مستحق للعلو. الثاني : أن العالي هو الذي يجوز أن يشارك، والعلي هو الذي لا يجوز أن يشارك، فعلى هذا الوجه يجوز أن يوصف اللّه بالعليّ لا بالعالي، وعلى الأول يجوز أن يوصف بهما، وقيل : العلي : القاهر الغالب للأشياء، تقول العرب : علا فلان فلانا غلبه وقهره. قال الشاعر :
فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ومنه إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ «١» وقال الزمخشري : العلي الشأن العظيم الملك والقدرة. انتهى. وقال قوم : العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه. قال ابن عطية : وهذا قول جهلة مجسمين، وكان الوجه أن لا يحكى. وقال أيضا : العلي يراد به علو القدر والمنزلة، لا علو المكان، لأن اللّه منزه عن التحيز. انتهى.

_
(١) سورة القصص : ٢٨/ ٤.


الصفحة التالية
Icon