البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦١٨
وهذه الجملة في موضع نصب على الحال من العروة، وقيل : من الضمير المستكن في الوثقى، ويجوز أن يكون خبرا مستأنفا من اللّه عن العروة، و : لها، في موضع الخبر، فتتعلق بمحذوف أي : كائن لها.
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أتى بهذين الوصفين لأن الكفر بالطاغوت والإيمان باللّه مما ينطق به اللسان ويعتقده الجنان، فناسب هذا ذكر هذين الوصفين لأن الكفر بالطاغوت والإيمان باللّه، وقيل : سميع لدعائك يا محمد، عليم بحرصك واجتهادك.
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ الولي، هنا الناصر والمعين أو المحب أو متولي أمورهم، ومعنى : آمنوا، أرادوا أن يؤمنوا، والظلمات : هنا الكفر، والنور الإيمان، قاله قتادة، والضحاك، والربيع. قيل : وجمعت الظلمات لاختلاف الضلالات، ووحد النور لأن الإيمان واحد.
والإخراج هنا إن كان حقيقة فيكون مختصا بمن كان كافرا ثم آمن، وإن كان مجازا فهو مجاز عن منع اللّه إياهم من دخولهم في الظلمات. قال الحسن : معنى يخرجهم يمنعهم، وإن لم يدخلوا، والمعنى أنه لو خلا عن توفيق اللّه لوقع في الظلمات، فصار توفيقه سببا لدفع تلك الظلمة، قالوا : ومثل هذه الاستعارة شائع سائغ في كلامهم، كما قال طفيل الغنوي :
فإن تكن الأيام أحسنّ مرة إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب
قال الواقدي : كل شيء في القرآن من الظلمات والنور فإنه أراد به الكفر والإيمان غير التي في الأنعام، وهو : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ «١» فإنه أراد به الليل والنهار.
وقال الواسطي : يخرجهم من ظلمات نفوسهم إلى آدابها : كالرضا والصدق والتوكل والمعرفة والمحبة.
وقال أبو عثمان : يخرجهم من ظلمات الوحشة والفرقة إلى نور الوصلة والإلفة.
وقال الزمخشري : آمنوا أرادوا أن يؤمنوا، تلطف بهم حتى يخرجهم بلطفه وتأييده من الكفر إلى الإيمان، أو : اللّه ولي المؤمنين يخرجهم من الشبه في الدين إن وقعت لهم، بما
(١) سورة الأنعام : ٦/ ١.