البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦١٩
يهديهم ويوفقهم لها من حلها، حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين. انتهى. فيكون على هذا القول : آمنوا على حقيقته.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ قال مجاهد، وعبدة بن أبي لبابة، نزلت في قوم آمنوا بعيسى، فلما جاء محمد عليه السلام كفروا به، فذلك إخراجهم من النور إلى الظلمات.
وقال الكلبي يخرجونهم من إيمانهم بموسى عليه السلام واستفتاحهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم إلى كفرهم به، وقيل : من فطرة الإسلام، وقيل : من نور الإقرار بالميثاق، وقيل : من الإقرار باللسان إلى النفاق. وقيل : من نور الثواب في الجنة إلى ظلمة العذاب في النار.
وقيل : من نور الحق إلى ظلمة الهوى. وقيل : من نور العقل إلى ظلمة الجهل.
وقال الزمخشري : من نور البينات التي تظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة.
وقال ابن عطية : لفظ الآية مستغن عن التخصيص، بل هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب، وذلك أن كل من آمن منهم فاللّه وليه، أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن كفر بعد وجود الداعي، النبي المرسل، فشيطانه ومغويه كأنه أخرجه من الإيمان، إذ هو معد، وأهل للدخول فيه، وهذا كما تقول لمن منعك الدخول في أمر :
أخرجتني يا فلان من هذا الأمر، وإن كنت لم تدخل فيه البتة. انتهى.
والمراد بالطاغوت : الصنم، لقوله : رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ «١» وقيل :
الشياطين والطاغوت اسم جنس.
وقرأ الحسن : الطواغيت بالجمع.
وقد تباين الإخبار في هاتين الجملتين، فاستفتحت آية المؤمنين باسم اللّه تعالى، وأخبر عنه بأنه ولي المؤمنين تشريفا لهم إذ بدىء في جملتهم باسمه تعالى، ولقربه من قوله :
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ واستفتحت آية الكافرين بذكرهم نعيا عليهم، وتسمية لهم بما صدر منهم من القبيح. ثم أخبر عنهم بأن أولياءهم الطاغوت، ولم يصدّر الطاغوت استهانة به، وأنه مما ينبغي أن لا يجعل مقابلا للّه تعالى، ثم عكس الإخبار فيه فابتدأ بقوله :
أولياؤهم، وجعل الطاغوت خبرا. كأن الطاغوت هو مجهول. أعلم المخاطب بأن أولياء

_
(١) سورة إبراهيم : ١٤/ ٣٦.


الصفحة التالية
Icon