البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٣٦
إن النفي بلم قليل جدّا فغير مصيب، وقد أمعنا الكلام على هذه المسألة في باب : الحال، في (منهج السالك على شرح ألفية ابن مالك) من تأليفنا.
وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ
قيل : لما مضت المائة أحيا اللّه منه عينيه، وسائر جسده ميت، ثم أحيا جسده وهو ينظر. ثم نظر إلى حماره، فإذا عظامه متفرقة بيض تلوح، فسمع صوتا من السماء : أيتها العظام البالية إن اللّه يأمرك أن تجتمعي، فاجتمع بعضها على بعض، واتصلت، ثم نودي : إن اللّه يأمرك أن تكتسي لحما وجلدا، فكان كذلك. وروي أنه حين أحياه اللّه نهق، وقيل : ردّ اللّه الحياة في عينيه وأخر جسده ميتا، فنظر إلى إيلياء وما حولها وهي تعمر وتجدّد، ثم نظر إلى طعامه وشرابه لم يتغير، نظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب أحياه اللّه له وهو يرى، ونظر إلى الجبل وهو لم يتغير وقد أتى عليه ريح مائة عام ومطرها وشمسها وبردها. وقال وهب، والضحاك : وانظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شيء مائة سنة.
قال الزمخشري : وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف ولا ماء، كما حفظ طعامه وشرابه من التغير.
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ قيل : الواو، مقحمة أي : لنجعلك آية، وقيل : تتعلق اللام بفعل محذوف مقدر تقديره أي : أريناك ذلك لتعلم قدرتنا، ولنجعلك آية للناس. وقيل :
بفعل محذوف مقدر تأخيره، أي : ولنجعلك آية للناس فعلنا ذلك، يريد إحياءه بعد الموت وحفظ ما معه. وقال الأعمش : كونه آية هو أنه جاء شابا على حاله يوم مات، فوجد الحفدة والأبناء شيوخا. وقال عكرمة : جاء وهو ابن أربعين سنة كما كان يوم مات، ووجد بنيه قد ينوفون على مائة سنة، وقيل : كونه آية هو أنه جاء وقد هلك كل من يعرف، وكان آية لمن كان حيا من قومه، إذ كانوا موقنين بحاله سماعا، وقيل : أتى قومه راكبا حماره، وقال : أنا عزير، فكذبوه، فقال : هاتوا التوراة، فأخذ يهذهذ عن ظهر قلبه وهم ينظرون في الكتاب، فما خرم حرفا، فقالوا هو : ابن اللّه.
ولم يقرأ التوراة ظاهرا أحد قبل عزير، فذلك كونه آية. وفي إماتته هذه المدة ثم إحيائه أعظم آية، وأمره كله آية للناس غابر الدهر لا يحتاج إلى تخصيص بعض دون بعض.
والألف واللام في : للناس، للعهد إن غنى به من بقي من قومه، أو من كان في عصره. أو للجنس إذ هو آية لمن عاصره ولمن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon