البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٥٣
اللّه، لأن ثمرة النفقة في سبيل اللّه إنما تظهر حقيقة يوم البعث : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً «١» واستدعاء النفقة في سبيل اللّه مذكر بالبعث، وخاض على اعتقاده، لأنه لو لم يعتقد وجوده لما كان ينفق في سبيل اللّه، وفي تمثيل النفقة بالحبة المذكورة إشارة أيضا إلى البعث، وعظيم القدرة، إذ حبة واحدة يخرج اللّه منها سبعمائة حبة، فمن كان قادرا على مثل هذا الأمر العجاب، فهو قادر على إحياء الموات، ويجامع ما اشتركا فيه من التغذية والنمو.
ويقال : لما ذكر المبدأ والمعاد، ودلائل سحتها، أتبع ذلك ببيان الشرائع والأحكام والتكاليف، فبدأ بإنفاق الأموال في سبيل اللّه، وأمعن في ذلك، ثم انتقل إلى كيفية تحصيل الأموال بالوجه الذي جوز شرعا. ولما أجمل في ذكر التضعيف في قوله : أَضْعافاً كَثِيرَةً «٢» وأطلق في قوله : أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ «٣» فصل في هذه الآية، وقيد بذكر المشبه به، وما بين الآيات دلالة على قدرته على الإحياء والإماتة، إذ لولا ذلك لم يحسن التكليف كما ذكرناه، فهذه وجوه من المناسبة. والمثل هنا الصفة، ولذلك قال :
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أي كصفة حبة، وتقدير زيادة الكاف، أو زيادة مثل. قول بعيد. وهذه الآية شبيهة في تقدير الحذف بقوله : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ «٤» فيحتمل أن يكون الحذف من الأول، أي : مثل منفق الذين، أو من الثاني : أي كمثل زارع، حتى يصح التشبيه، أو من الأول ومن الثاني باختلاف التقدير، أي : مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ومنفقهم. كمثل حبة وزارعها. وقد تقدم الكلام في تقرير هذا الوجه في قصة الكافر والناعق، فيطالع هناك.
وهذا المثل يتضمن التحريض على الإنفاق في سبيل اللّه جميع ما هو طاعة، وعائد نفعه على المسلمين، وأعظمها وأعناها الجهاد لإعلاء كلمة اللّه وقيل : المراد : بسبيل اللّه، هنا الجهاد خاصة، وظاهر الإنفاق في سبيل اللّه يقتضي الفرض والنفل، ويقتضي الإنفاق على نفسه في الجهاد وغيره، والإنفاق على غيره ليتقوى به على طاعة من جهاد أو غيره.
وشبه الإنفاق بالزرع، لأن الزرع لا ينقطع.
(١) سورة آل عمران : ٣/ ٣٠.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٤٥.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٧١.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ١٧١.