البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٨
هو الظاهر، فيكون المراد التبرع بأي فعل طاعة كان، وهو قول الحسن أو بالنفل على واجب الطواف، قاله مجاهد، أو بالعمرة، قاله ابن زيد أو بالحج والعمرة بعد قضاء الواجب عليه، أو بالسعي بين الصفا والمروة، وهذا قول من أسقط وجوب السعي، لما فهم الإباحة في التطوف بهما من قوله : فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما، حمل هذا على الطواف بهما، كأنه قيل : ومن تبرع بالطواف بينهما، أو بالسعي في الحجة الثانية التي هي غير واجبة، أقوال ستة. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر : تطوّع فعلا ماضيا هنا، وفي قوله : فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ «١»، فيحتمل من أن يكون بمعنى الذي، ويحتمل أن تكون شرطية. وقرأ حمزة، والكسائي : يطوّع مضارعا مجزوما بمن الشرطية، وافقهما زيد ورويس في الأول منهما، وانتصاب خيرا على المفعول بعد إسقاط حرف الجر، أي بخير، وهي قراءة ابن مسعود، قرأ : يتطوّع بخير. ويطوّع أصله : يتطوّع، كقراءة عبد اللّه، فأدغم. وأجازوا جعل خيرا نعتا لمصدر محذوف، أي ومن يتطوع تطوعا خيرا.
فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ : هذه الجملة جواب الشرط. وإذا كانت من موصولة في احتمال أحد وجهي من في قراءة من قرأ تطوّع فعلا ماضيا، فهي جملة في موضع خبر المبتدأ، لأن تطوّع إذ ذاك تكون صلة. وشكر اللّه العبد بأحد معنيين : إما بالثواب، وإما بالثناء.
وعلمه هنا هو علمه بقدر الجزاء الذي للعبد على فعل الطاعة، أو بنيته وإخلاصه في العمل. وقد وقعت الصفتان هنا الموقع الحسن، لأن التطوّع بالخير يتضمن الفعل والقصد، فناسب ذكر الشكر باعتبار الفعل، وذكر العلم باعتبار القصد، وأخرت صفة العلم، وإن كانت متقدمة، على الشكر، كما أن النية مقدمة على الفعل لتواخي رؤوس الآي.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى : الآية نزلت في أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم وأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم.
وذكر ابن عباس : أن معاذا سأل اليهود عما في التوراة من ذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم فكتموه إياه، فأنزل اللّه هذه الآية.
والكاتمون هم أحبار اليهود وعلماء النصارى، وعليه أكثر المفسرين وأحبار اليهود كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، وابن صوريا، وزيد بن التابوه. ما أنزلنا : فيه خروج من ظاهر إلى ضمير متكلم. والبينات : هي

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٨٤. [.....]


الصفحة التالية
Icon