البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٨١
قدمنا قبل، أن سيبويه لا يجيز انتصاب أن والفعل مقدرا بالمصدر في موضع الحال، وقال الفراء : المعنى معنى الشرط والجزاء، لأن معناه إن أغمضتم أخذتم، ولكن إلّا وقعت على أن ففتحتها، ومثله : إِلَّا أَنْ يَخافا «١» وإِلَّا أَنْ يَعْفُونَ «٢» هذا كله جزاء، وأنكر أبو العباس وغيره قول الفراء، وقالوا : أن، هذه لم تكن مكسورة قط، وهي التي تتقدّر، هي وما بعدها، بالمصدر، وهي مفتوحة على كل حال، والمعنى : إلّا بإغماضكم.
وقرأ الجمهور : تغمضوا، من أغمض، وجعلوه مما حذف مفعوله، أي : تغمضوا أبصاركم أو بصائركم، وجوزوا أن يكون لازما مثل : أغضى عن كذا، وقرأ الزهري تغمضوا بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم مشدودة، ومعناه معنى قراءة الجمهور. وروي عنه :
تغمضوا، بفتح التاء وسكون الغين وكسر الميم، مضارع : غمض، وهي لغة في أغمض، ورويت عن اليزيدي : تغمضوا، بفتح وضم الميم، ومعناه : إلّا أن يخفى عليكم رأيكم فيه.
وروي عن الحسن : تغمضوا مشددة الميم مفتوحة. وقرأ قتادة تغمضوا، بضم التاء وسكون الغين وفتح الميم، مخففا، ومعناه : إلّا أن يغمض لكم.
وقال أبو الفتح : معناه إلّا أن توجدوا قد أغمضتم في الأمر بتأولكم أو بتساهلكم، كما تقول : أحمد الرجل أصيب محمودا، وقيل : معنى قراءة قتادة : إلّا أن تدخلوا فيه وتجذبوا إليه.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أي : غني عن صدقاتكم، وإنما هي أعمالكم ترد عليكم، حميد أي : محمود على كل حال، إذ هو مستحق للحمد.
وقال الحسن : يستحمد إلى خلقه، أي : يعطيهم نعما يستدعي بها حمدهم. وقيل :
مستحق للحمد على ما تعبدكم به.
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ أي : يخوفكم بالفقر، يقول للرجل أمسك! فإن تصدّقت افتقرت! وروى أبو حيوة عن رجل من أهل الرباط أنه قرأ : الفقر، بضم الفاء، وهي لغة.
وقرىء : الفقر، بفتحتين.
وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ أي : يغريكم بها إغراء الآمر، والفحشاء : البخل وترك الصدقة، أو المعاصي مطلقا، أو الزنا، أقوال. ويحتمل أن تكون الفحشاء : الكلمة السيئة، كما قال الشاعر :
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٢٩.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٣٧.