البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٨٢
ولا ينطق الفحشاء من كان منهم إذا جلسوا منا ولا من سوائنا
وكأن الشيطان يعد الفقر لمن أراد أن يتصدق، ويأمره، إذ منع، بالرد القبيح على السائل، وبخه وأقهره بالكلام السيء.
وروى ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، أنه قال :«إن للشيطان لمة من ابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجد ذلك فليتعوذ. وأما لمة الملك فوعد بالحق وتصديق بالخير، فمن وجد ذلك فليحمد اللّه». ثم قرأ عليه السلام :
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ الآية.
وتقدّم وعد الشيطان على أمره، لأنه بالوعد يحصل الاطمئنان إليه، فإذا اطمأن إليه وخاف الفقر تسلط عليه بالأمر، إذ الأمر استعلاء على المأمور.
وقال الزمخشري : والفاحش عند العرب البخيل، وقال أيضا : ويأمركم بالفحشاء ويغريكم على البخل ومنع الصدقات، انتهى. فتكون الجملة الثانية كالتوكيد للأولى، ونظرنا إلى ما شرحه الشراح في الفاحش في نحو قول الشاعر :
حتى تأوى إلى لا فاحش برم ولا شحيح إذا أصحابه غنموا
وقال الآخر :
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدّد
فقالوا : الفاحش السيء الخلق، ولو كان الفاحش هو البخيل لكان قوله : ولا شحيح، من باب التوكيد. وقال في قول امرئ القيس :
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش إن معناه ليس بقبيح، ووافق الزمخشري أبا مسلم في تفسير الفاحش بالبخيل، والفحشاء بالبخل، قال بعضهم. وأنشد أبو مسلم قول طرفة :
عقيلة مال الفاحش المتشدّد قال : والأغلب في كلام العرب، وفي تفسير البيت الذي أنشده أن الفاحش السيء الردّ لضيفانه، وسؤّاله. قال : وقد وجدنا بعد ذلك شعرا يشهد لتأويل أبي مسلم أن الفحشاء البخل. وقال راجز من طيء :


الصفحة التالية
Icon