البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٨٣
قد أخذ المجد كما أرادا ليس بفحاش يصر الزادا
انتهى. ولا حجة في هذا البيت على أنه أراد بالفحاش البخيل، بل يحمل على السيء الخلق، أو السيء الردّ، ويفهم البخيل من قوله : يصر الزادا.
وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا أي سترا لذنوبكم مكافأة للبذل، وفضلا زيادة على مقتضى ثواب البذل. وقيل : وفضلا، أن يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم، أو وثوابا عليه في الآخرة، ولما تقدّم قوله : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وكان الحامل لهم على ذلك إنما هو الشح والبخل بالجيد الذي مثيره الشيطان، بدىء بهذه الجملة من قوله الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وإن ما تصدّقتم من الخبيث إنما ذلك من نزغات الشيطان ليقبح لهم ما ارتكبوه من ذلك بنسبته إلى الشيطان، فيكون أبعد شيء عنه.
ثم ذكر تعالى في مقابلة وعد الشيطان وعد اللّه بشيئين : أحدهما : الستر لما اجترحوه من الذنوب، والثاني : الفضل وهو زيادة الرزق والتوسعة في الدنيا والآخرة.
روي أن في التوراة : عبدي، أنفق من رزقي أبسط عليك فضلي، فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة
، وفي كتاب اللّه مصداقه : وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ «١».
وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أي : واسع بالجود والفضل على من أنفق، عليم بنيات من أنفق، وقيل : عليم أين يضع فضله، ووردت الأحاديث بتفضيل الإنفاق والسماحة وذمّ البخل، منها
حديث البراء، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«إن اللّه يحب الإنفاق ويبغض الإقتار فكل وأطعم ولا تصرر، فيعسر عليك الطلب»
. وقوله صلى اللّه عليه وسلم :«وأي داء أردأ من البخل»
. يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ قرأ الربيع بن خيثم بالتاء في : تؤتي، وفي : تشاء، على الخطاب، وهو التفات إذ هو خروج من غيبة إلى خطاب، والحكمة : القرآن، قاله ابن مسعود، ومجاهد، والضحاك، ومقاتل في آخرين.
وقال ابن عباس فيما رواه عنه علي بن طلحة : معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخره. وقال، فيما رواه عنه أبو صالح : النبوّة، وقاله السدي. وقال إبراهيم، وأبو العالية، وقتادة : الفهم في القرآن. وقال مجاهد فيما رواه عنه ليث : العلم والفقه وقال فيما رواه عنه ابن نجيح : الإصابة في القول والفعل،
(١) سورة سبإ : ٣٤/ ٣٩.