البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٠٧
الربا في الدنيا، فيكون المعنى : لا يقومون يوم القيامة، أو من قبورهم من أجل أكل الربا إلّا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان، إذ لو أريد هذا المعنى لكان التصريح به أولى من الكناية عنه بلفظ المس، إذ التصريح به أبلغ في الزجر والردع.
والوجه الثاني : أن : ما، بعد : إلّا، لا يتعلق بما قبلها، إلّا إن كان في حيز الاستثناء، وهذا ليس في حيز الاستثناء، ولذلك منعوا أن يتعلق بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ «١» بقوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا «٢» وان التقدير : ما أرسلنا بالبينات والزبر إلّا رجالا.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا الإشارة بذلك إلى ذلك القيام المخصوص بهم في الآخرة، ويكون مبتدأ، والمجرور الخبر، أي : ذلك القيام كائن بسبب أنهم، وقيل : خبر مبتدأ محذوف تقديره : قيامهم ذلك إلّا أن في هذا الوجه فصلا بين المصدر ومتعلقه الذي هو : بأنهم، على أنه لا يبعد جواز ذلك لحذف المصدر، فلم يظهر قبح بالفصل بالخبر، وقدّره الزمخشري : ذلك العقاب بسبب أنهم، والعقاب هو ذلك القيام، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى أكلهم الربا، أي ذلك الأكل الذي استحلوه بسبب قولهم واعتقادهم أن البيع مثل الربا، أي : مستندهم في ذلك التسوية عندهم بين الربا والبيع، وشبهوا البيع وهو المجمع على جوازه بالربا وهو محرم، ولم يعكسوا تنزيلا لهذا الذي يفعلونه من الربا منزلة الأصل المماثل له البيع، وهذا من عكس التشبيه، وهو موجود في كلام العرب.
قاله ذو الرمّة :
ورمل كأروال العذارى قطعته وهو كثير في أشعار المولدين، كما قال أبو القاسم بن هانىء :
كأن ضياء الشمس غرّة جعفر رأى القرن فازدادت طلاقته ضعفا
وكان أهل الجاهلية إذا حل دينه على غريمه طالبه، فيقول : زدني في الأجل وأزيدك في المال، فيفعلان ذلك ويقولان : سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح، أو عند المحل لأجل التأخير، فكذبهم اللّه تعالى. وقيل : كانت ثقيف أكثر العرب ربا، فلما نهوا عنه قالوا : إنما هو مثل البيع.

_
(١) سورة النحل : ١٦/ ٤٤.
(٢) سورة النحل : ١٦/ ٤٣.


الصفحة التالية
Icon