البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٠٨
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا. ظاهره أنه من كلام اللّه تعالى لا من كلامهم، وفي ذلك ردّ عليهم إذ ساووا بينهما، والحكم في الأشياء إنما هو إلى اللّه تعالى، لا يعارض في حكمه ولا يخالف في أمره، وفي هذه الآية دلالة على أن القياس في مقابلة النص لا يصح، إذ جعل الدليل في إبطال قولهم هو : أن اللّه أحل البيع وحرم الربا. وقال بعض العلماء : قياسهم فاسد، لأن البيع عوض ومعوض لا غبن فيه، والربا فيه التغابن وأكل المال البطل، لأن الزيادة لا مقابل لها من جنسها، بخلاف البيع، فإن الثمن مقابل بالمثمن..
قال جعفر الصادق : حرم اللّه الربا ليتقارض الناس
، وقيل : حرم لأنه متلف للأموال، مهلك للناس. وقال بعضهم : يحتمل أن يكون : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا من كلامهم، فكانوا قد عرفوا تحريم اللّه الربا فعارضوه بآرائهم، فكان ذلك كفرا منهم.
والظاهر : عموم البيع والربا في كل بيع، وفي كل ربا، إلّا ما خصه الدليل من تحريم بعض البيوع وإحلال بعض الربا، وقيل : هما مجملان، فلا يقدّم على تحليل بيع ولا تحريم ربا إلّا ببيان، وهذا فرق ما بين العام والمجمل، وقيل : هو عموم دخله التخصيص، ومجمل دخله التفسير، وتقاسيم البيع والربا وتفاصيلهما مذكور في كتب الفقه.
والظاهر أن الآية كما قالوا في الكفار، لقوله : فَلَهُ ما سَلَفَ لأن المؤمن العاصي بالربا ليس له ما سلف، بل ينقض ويردّ فعله، وإن كان جاهلا بالتحريم، لكنه يأخذ بطرف من وعيد هذه الآية.
فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ حذف تاء التأنيث من : جاءته، للفصل، ولأن تأنيث الموعظة مجازي. وقرأ أبيّ، والحسن : فمن جاءته بالتاء على الأصل، وتلت عائشة هذه الآية سألتها العالية بنت أبقع، زوج أبي إسحاق السبيعي عن شرائها جارية بستمائة درهم نقدا من زيد بن أرقم، وكانت قد باعته إياها بثمانمائة درهم إلى عطائه، فقالت عائشة : بئسما شريت وما اشتريت، فابلغي زيدا أنه أبطل جهاده مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلّا أن يتوب، فقالت العالية : أرأيت إن لم آخذ منه إلّا رأس مالي؟ فتلت الآية عائشة. والموعظة : التحريم، أو : الوعيد، أو : القرآن، أقوال. ويتعلق : من ربه، بجاءته، أو : بمحذوف، فيكون صفة لموعظة، وعلى التقدير فيه تعظيم الموعظة إذ جاءته من ربه، الناظر له في مصالحه، وفي ذكر الرب تأنيس لقبول الموعظة. إذ الرب فيه إشعار بإصلاح عبده، فانتهى تبع النهي، ورجع عن المعاملة بالربا، أو عن كل محرم من


الصفحة التالية
Icon